٦_ وأما تصنيفه فأول من صنف فيه عبد الملك بن جريج المكي المولود سنة ٨٠هـ والمتوفي سنة ١٤٩هـ صنف كتابه في تفسير آيات كثيرة، وجمع فيه آثاراً وغيرها، وأكثر روايته عن أصحاب ابن عباس مثل عطاء ومجاهد، وصنفت تفاسير، ونسبت روايتها إلى ابن عباس، لكن أهل الأثر تكلموا فيها، وهي تفسير محمد بن السائب الكلبي المتوفي سنة ١٤٦هـ عن أبي صالح عن ابن عباس، وقد رُمي أبو صالح بالكذب حتى لقب بكلمة: (دروغدت) بالفارسية بمعنى الكذاب(١) وهي أوهى الروايات، فإذا انضم إليها رواية محمد بن مروان السدى عن الكلبي فهي سلسلة الكذب(٢) أرادوا بذلك أنها ضد ما لقبوه بسلسلة الذهب، وهي مالك عن نافع عن ابن عمر.
وقد قيل: إن الكلبي كان من أصحاب عبد الله بن سبأ اليهودي الأصل الذي أسلم وطعن في الخلفاء الثلاثة وغلا في حب علي بن أبي طالب، وقال: إن علياً لم يمت، وإنه يرجع إلى الدنيا، وقد قيل: إنه ادعى إلهية علي. ١/١٤_١٥
٧_ وقد جرت عادة المفسرين بالخوض في بيان معنى التأويل، وهل هو مساو للتفسير أو أخص منه أو مباين؟
وجماع القول في ذلك أن من العلماء من جعلهما متساويين، وإلى ذلك ذهب ثعلب وابن الأعرابي وأبو عبيدة، وهو ظاهر كلام الراغب.
ومنهم من جعل التفسير للمعنى، الظاهر والتأويل للمتشابه.
ومنهم من قال: التأويل صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل؛ فيكون هنا بالمعنى الأصولي، فإذا فسر قوله _تعالى_: [يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ] بإخراج الطير من البيضة فهو التفسير، أو بإخراج المسلم من الكافر فهو التأويل.

(١) _ تفسير القرطبي.
(٢) _ الإتقان.

٦_ [فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣)].
تقدم نظير قوله: [فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ] في سورة طه.
وقوله: [وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ] فإنما تأكيد حرف كي بمرادفه وهو لام التعليل؛ للتنصيص من أول وهلة على أنه معطوف على الفعل المثبت، لا على الفعل المنفي.
وضمير: [أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ] عائد إلى الناس المفهوم من المقام، أو إلى رعية فرعون، ومن الناس بنو إسرائيل.
والاستدراكُ ناشئٌ عن نصب الدليل لها على أن وعد الله حق، أي فعلمت ذلك وحدها وأكثر القوم لا يعلمون ذلك؛ لأنهم بين مشركين وبين مؤمنين تقادم العهد على إيمانهم، وخلت أقوامُهم من علماء يلقنونهم معانيَ الدين؛ فأصبح إيمانهم قريباً من الكفر.
وموضع العبرة من هذه القصة أنها تتضمن أموراً ذات شأن؛ ذكرى للمؤمنين، وموعظة للمشركين.
فأول ذلك وأعظمه: إظهار أن ما علمه الله وقدَّره هو كائن لا محالة كما دل عليه قوله: [وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ] إلى قوله: [يَحْذَرُونَ] وإن الحذر لا ينجي من القدر.
وثانيه: إظهار أن العلو الحق لله تعالى وللمؤمنين، وأن علوَّ فرعونَ لم يغن عنه شيئاً في دفع عواقب الجبروت والفساد؛ ليكون ذلك عبرةً لجبابرة المشركين من أهل مكة.
وثالثه: أن تمهيد القصة بعلو فرعون وفساد أعماله مشيرٌ إلى أن ذلك هو سبب الانتقام منه، والأخذ بناصر المستضعفين؛ ليحذر الجبابرة سوء عاقبة ظلمهم، وليرجو الصابرون على الظلم أن تكون العاقبة لهم.


الصفحة التالية
Icon