معلوم لك أن موضوع علم التفسير هو القرآن؛ لتبيان معانيه، وما يشتمل عليه من إرشادٍ، وهدىً، وآداب، وإصلاح حال الأمة في جماعتها، وفي معاملتها مع الأمم التي تخالطها: بفهم دلالته اللغوية والبلاغية؛ فالقرآن هو الكلام الذي أوحاه الله _تعالى_ كلاماً عربياً إلى محمد"بواسطة جبريل على أن يبلغه الرسول إلى الأمة باللفظ الذي أوحي به إليه للعمل به، ولقراءة ما يتيسر لهم أن يقرأوه منه في صلواتهم، وجعل قراءته عبادة. ١/٧٠
٢_ فالقرآن اسم للكلام الموحى به إلى النبي"وهو جملة المكتوب في المصاحف المشتمل على مائة وأربع عشرة سورة، أولاها الفاتحة، وأخراها سورة الناس، صار هذا الاسم عَلَماً على هذا الوحي، وهو على وزن فُعْلان، وهي زنة وردت في أسماء المصادر مثل غُفْران، وشُكْران، وبُهتان، ووردت زيادة النون في أسماء أعلام مثل عثمان، وحسان، وعدنان.
واسم قرآن صالح للاعتبارين؛ لأنه مشتق من القراءة؛ لأن أول ما بدئ به الرسول من الوحي [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ] الآية.
وقال _تعالى_: [وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً]. ١/٧١
٣_ فاسم القرآن هو الاسم الذي جُعِل علماً على الوحي المنزل على محمد" ولم يسبق أن أُطلق على غيره قبله، وهو أشهر أسمائه، وأكثرها وروداً في آياته، وأشهرها دوراناً على ألسنة السلف. ١/٧١
٤_ وله أسماء أخرى هي في الأصل أوصاف، أو أجناس أنهاها في الإتقان إلى نَيِّفٍ وعشرين، والذي اشتهر إطلاقه عليه منها ستة: التنزيل، والكتاب، والفرقان، والذكر، والوحي، وكلام الله. ١/٧٢
ولاختلاف هذه التقادير اختلفوا في الوقف فالجمهور يقفون على (ويكأنه) بتمامه، والبعض يقف على (وي) والبعض يقف على (ويك).
ومعنى الآية على الأقوال كلها أن الذين كانوا يتمنون منزلة قارون ندموا على تمنيهم لما رأوا سوء عاقبته، وامتلكهم العجب من تلك القصة ومن خفي تصرفات الله _تعالى_ في خلقه وعلموا وجوب الرضى بما قدر للناس من الرزق؛ فخاطب بعضهم بعضاً بذلك وأعلنوه. ٢٠/١٨٧_١٨٨
١٦_ [تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ].
ومعنى جَعْلها لهم أنها مُحْضَرةٌ لأجلهم ليس لهم غيرها.
وأما من عداهم فلهم أحوال ذات مراتب أفصحت عنها آيات أخرى، وأخبار نبوية؛ فإن أحكام الدين لا يقتصر في استنباطها على لوك كلمة واحدة.
وعن الفضيل بن عياض أنه قرأ هذه الآية ثم قال: =ذهبت الأماني ههنا+.
أي أماني الذين يزعمون أنه لا يضر مع الإيمان شيء، وأن المؤمنين كلَّهم ناجون من العقاب، وهذا قول المرجئة قال قائلهم:

كن مسلماً ومن الذنوب فلا تخف حاشا المهيمن أن يري تنكيدا
لو شاء أن يصليك نار جهنم ما كان ألهم قلبك التوحيدا
٢٠/١٨٩_١٩٠
١_ اشتهرت هذه السورة بسورة العنكبوت من عهد رسول الله"لما رواه عكرمة قال: كان المشركون إذا سمعوا تسمية سورة البقرة وسورة العنكبوت يستهزئون بهما، أي بهذه الإضافة فنزل قوله _تعالى_: [إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ].
يعني المستهزئين بهذا ومثله، وقد تقدم الإلماع إلى ذلك عند قوله _تعالى_: [إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا] في سورة البقرة.
ووجه إطلاق هذا الاسم على هذه السورة أنها اختصت بذكر مثل العنكبوت في قوله _تعالى_ فيها: [مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً].


الصفحة التالية
Icon