وتسميةُ القطعة المعينة من عدة آيات القرآن سورة من مصطلحات القرآن، وشاعت تلك التسمية عند العرب حتى المشركين منهم، فالتحدي للعرب بقوله _تعالى_: [فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ] وقوله: [فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ] لا يكون إلا تحدياً باسم معلوم المسمى، والمقدارِ عندهم وقتَ التحدي؛ فإن آياتِ التحدي نزلت بعد السور الأُوَل.
وقد جاء في القرآن تسمية سورة النور باسم سورة في قوله _تعالى_: [سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا] أي هذه سورة، وقد زادته السنة بياناً، ولم تكن أجزاء التوراة، والإنجيل، والزبور مسماة سوراً عند العرب في الجاهلية، ولا في الإسلام.
ووجهُ تسميةِ الجزء المعين من القرآن سورة قيل: مأخوذة من السُّوْر بضم السين، وتسكين الواو، وهو الجدار المحيط بالمدينة أو بِمَحَلَّة قومٍ، زادوه هاء تأنيث في آخره مراعاة لمعنى القطعة من الكلام، كما سموا الكلام الذي يقوله القائل خطبة، أو رسالة، أو مقامة.
وقيل: مأخوذة من السُّؤر بهمزة بعد السين، وهو البقية مما يشرب الشارب بمناسبة أن السؤرَ جزءٌ مما يُشْرب، ثم خففوا الهمزة بعد الضمة فصارت واواً.
قال ابن عطية: =وترك الهمز في سورة هو لغة قريش، ومن جاورها من هذيل، وكنانة، وهوازن، وسعد بن بكر.
وأما الهمز فهو لغة تميم، وليست إحدى اللغتين بدالَّةٍ على أن أصل الكلمة من المهموز أو المعتل؛ لأن للعرب في تخفيفِ المهموز وهمزِ المخفف من حروف العلة طريقتين، كما قالوا: أُجوه، وإِعاء، وإِشاح في وُجوه، ووعاء، ووشاح، وكما قالوا: الذئب بالهمز، والذيب بالياء+.
قال الفراء: =ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس مهموزاً، كما قالوا: رثأت الميت، ولبأت بالحج، وحلأت السويق بالهمز+.
وجمع سُوْرَة سُوَرٌ بتحريك الواو كغرف، ونقل في شرح القاموس عن الكراع أنها تجمع على سور بسكون الواو.
ووراء ذلك خاصيةٌ إلهية جعلها الله في الصلاة يكون بها تيسير الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.
روى أحمد، وابن حبان، والبيهقي عن أبي هريرة قال: =جاء رجل إلى النبي"فقال: إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق، فقال: سينهاه ما تقول+ أي صلاته بالليل.
واعلم أن التعريف في قوله: [الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ] تعريف الجنس؛ فكلما تذكر المصلي عند صلاته عظمة ربه، ووجوب طاعته، وذكر ما قد يفعله من الفحشاء والمنكر _ كانت صلاته حينئذ قد نهته عن بعض أفراد الفحشاء والمنكر. ٢٠/٢٥٨_٢٦٠
٨_ ووجه الوصاية بالحسنى في مجادلة أهل الكتاب أن أهل الكتاب مؤمنون بالله غير مشركين به؛ فهم متأهلون لقبول الحجة غير مظنون بهم المكابرة، ولأن آداب دينهم وكتابهم أكسبتهم معرفة طريق المجادلة؛ فينبغي الاقتصار في مجادلتهم على بيان الحجة دون إغلاظ؛ حذراً من تنفيرهم، بخلاف المشركين؛ فقد ظهر من تصلبهم، وصَلَفهم، وجلافتهم ما أيأس من إقناعهم بالحجة النظرية، وعَيَّن أن يعاملوا بالغلظة، وأن يبالغ في تهجين دينهم، وتفظيع طريقتهم؛ لأن ذلك أقرب نجوعا لهم.
وهكذا ينبغي أن يكون الحال في ابتداء مجادلة أهل الكتاب، وبقدر ما يسمح به رجاء الاهتداء من طريق اللين؛ فإن هم قابلوا الحسنى بضدها انتقل الحكم إلى الاستثناء الذي في قوله: [إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ].
و[الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ]: هم الذين كابروا وأظهروا العداء للنبي" وللمسلمين، وأبوا أن يتلقوا الدعوة؛ فهؤلاء ظلموا النبي"والمسلمين حسداً، وبغضاً على أن جاء الإسلام بنسخ شريعتهم، وجعلوا يكيدون للنبي"ونشأ منهم المنافقون، وكل هذا ظلم واعتداء.
وقد كان اليهود قبل هجرة المسلمين إلى المدينة مسالمين الإسلام، وكانوا يقولون: إن محمداً رسول الأميين كما قال ابن صياد لما قال له النبي" =أتشهد أني رسول الله؟ فقال: أشهد أنك رسول الأميين+.


الصفحة التالية
Icon