١٢_ ومنها أن جاء على أسلوب التقسيم والتسوير: وهي سنة جديدة في الكلام العربي أدخل بها عليه طريقة التبويب والتصنيف، وقد أومأ إليها في الكشاف إيماءً. ١/١٢٠
١٣_ ومنها الأسلوب القصصي في حكاية أحوال النعيم، والعذاب في الآخرةِ، وفي تمثيل الأحوال، وقد كان لذلك تأثير عظيم على نفوس العرب؛ إذ كان فَنُّ القصص مفقوداً من أدب العربية إلا نادراً، كان في بعض الشعر كأبيات النابغة في الحية التي قتلت الرجل، وعاهدت أخاه وغدر بها.
فلما جاء القرآن بالأوصاف بُهِتَ به العرب كما في سورة الأعراف من وصف أهل الجنة، وأهل النار، وأهل الأعراف [وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ] الآية، وفي سورة الحديد [فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ] الآيات. ١/١٢٠
١٤_ ومن هذا القبيل حكاية الأسماء الواقعة في القصص؛ فإن القرآن يغيرها إلى ما يناسب حسن مواقعها في الكلام من الفصاحة، مثل تغيير شاول إلى طالوت، وتغيير اسم تارح أبي إبراهيم إلى آزر. ١/١٢١
١٥_ ومن أبدع الأساليب في كلام العرب الإيجاز: وهو متنافسهم، وغاية تتبارى إليها فصحاؤهم، وقد جاء القرآن بأبدعه؛ إذ كان _مع ما فيه من الإيجاز المُبَيَّن في علم المعاني_ فيه إيجاز عظيم آخر وهو صَلُوْحِيَّةُ معظمِ آياته لأن تؤخذ منها معانٍ متعددةٌ كلُّها تصلح لها العبارة باحتمالات لا ينافيها اللفظ، فبعض تلك الاحتمالات مما يمكن اجتماعه، وبعضها وإن كان فرض واحد منه يمنع من فرض آخر فتحريك الأذهان إليه، وإخطاره بها يكفي في حصول المقصد من التذكير به للامتثال، أو الانتهاء، وقد أشرنا إلى هذا في المقدمة التاسعة. ١/١٢١
١٦_ ومن بديع الإيجاز في القرآن وأكثره ما يسمى بالتضمين، وهو يرجع إلى إيجاز الحذف، والتضمين أن يضمَّن الفعلُ أو الوصفُ معنى فعلٍ أو وصفٍ آخر ويشار إلى المعنى المضمن بذكر ما هو من متعلقاته من حرف أو معمول فيحصل بالجملة معنيان. ١/١٢٣
وليس لها اسم غير هذا الاسم، وبهذا الاسم عُرِفَتْ بين القراء والمفسرين، ولم أقف على تصريح به فيما يروى عن رسول الله"بسند مقبول. ٢١/١٣٧
٢_ وروى البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس: أنزلت سورة لقمان بمكة.
وهي مكية كلها عند ابن عباس في أشهر قوليه، وعليه إطلاق جمهور المفسرين.
وعن ابن عباس من رواية النحاس استثناء ثلاث آيات من قوله _تعالى_: [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ] إلى قوله: [بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ].
وعن قتادة إلا آيتين إلى قوله: [إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ].
وفي تفسير الكواشي حكاية قول إنها مكية عدا آية نزلت بالمدينة وهي: [الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ] قائلاً لأن الصلاة والزكاة فرضت بالمدينة.
ورده البيضاوي على تسليم ذلك بأن فرضها بالمدينة لا ينافي تشريعها بمكة على غير إيجاب.
والمحقوق(١) يمنعون أن تكون الصلاة والزكاة فرضتا بالمدينة، فأما الصلاة فلا ريب في أنها فرضت على الجملة بمكة، وأما الزكاة ففرضت بمكة دون تعيين أنصباء ومقادير، ثم عينت الأنصباء والمقادير بالمدينة.
ويتحَصَّل من هذا أن القائل بأن آية: [الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ]إلى آخرها نزلت بالمدينة قاله مِنْ قِبَلِ رأيه، وليس له سند يعتمد كما يؤذن به قوله؛ لأن الصلاة والزكاة الخ.
ثم هو يقتضي أن يكون صدر السورة النازل بمكة [هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ] [أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ] الخ، ثم ألحق به [الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ]. ٢١/١٣٧
٣_ وهذه السورة هي السابعة والخمسون في تعداد نزول السور، نزلت بعد سورة الصافات وقبل سورة سبأ.

(١) _ هكذا في الأصل، والصواب: المحققون. (م)


الصفحة التالية
Icon