وأعاد القرآن وأبدى في هذا النوع، وقرر ذلك بأنه يخبر بقصص الأنبياء السابقين مطولة على جميع الواقع، الذي لا يستريب فيه أحد، ثم يخبر تعالى: أنه ليس له طريق ولا وصول إلى هذا إلا بما آتاه الله من الوحي، كمثل قوله تعالى لما ذكر قصة موسى مطولة ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ ﴾ [القصص: ٤٤] ولما ذكر قصة يوسف وإخوته مطولة قال:
﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ [يوسف: ١٠٢]
فهذه الأمور والإخبارات المفصلة التي يفصلها الرسول ـ ﷺ ـ بما أوحي إليه تفصيلاً، صحح به أكثر الأخبار والحوادث التي كانت في كتب أهل الكتاب محرفة ومشوهة بما أضافوا إليها من خرافات وأساطير، حتى ما يتعلق منها بعيسى وأمه وولادتهما ونشأتهما، وبموسى وولادته ونشأته، كل ذلك وغيره لم يكن يعرفه أهل الكتاب على حقيقته حتى جاء القرآن، فقص ذلك على ما وقع وحصل، مما أدهش أهل الكتاب وغيرهم، وأخرس ألسنتهم حتى لم يقدر أحد منهم ممن كان في وقته، ولا ممن كانوا بعد ذلك، أن يكذبوا بشيء منها، فكان ذلك من أكبر الأدلة على أنه رسول الله حقاً.
وتارة يقرر نبوته بكمال حكمة الله، وتمام قدرته، وأن تأييده لرسوله ونصره على أعدائه، وتمكينه في الأرض هو مقتضى حكمةِ ورحمةِ العزيز الحكيم، وأن من قدح في رسالته فقد قدح في حكمة الله وفي قدرته. وفي رحمته، بل وفي ربوبيته.
وكذلك نصره وتأييده الباهر لهذا النبي ﷺ على الأمم الذين هم أقوى أهل الأرض من آيات رسالته، وأدلة توحيده، كما هو ظاهر للمتأملين.
وتارة يقرر نبوته ورسالته بما جمع له وكمله به من أوصاف الكمال، وما هو عليه من الأخلاق الجميلة، وأن كل خلق عال سام فلرسول الله ـ ﷺ ـ منه أعلاه وأكمله.


الصفحة التالية
Icon