ومحاولتِهم ـ أن يأتوا بسورة منه وما استطاعوا ولا قدروا ـ مع شدة حرصهم ومحاولتِهم ـ أن يجدوا فيه نقصاً أو عيباً ينزل به عن أعلى درجات الفصاحة التي ملكت أزمة قلوبهم، فلجأوا إلى السيف وإراقة دمائهم، وما كانوا يعمدون إلى هذا لولا أنهم لم يجدوا سبيلاً إلى محاربته بالقول، وما كانوا يزعمونه عندهم علوماً وحكماً، فكان عدولهم إلى السيف وإراقة الدماء أكبر الأدلة على صدق الرسول ـ ﷺ ـ وأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وأقطع البراهين على أنه الحق والهدى من عند الله الذي جمع الله فيه لرسوله وللمؤمنين به كل ما يكفل لهم سعادة الدنيا والآخرة في كل شئونهم. وأن هذا القرآن لأكبرُ أدلة رسالته وأجلُّها وأعمُّها.
والله تعالى يقرر أن القرآن كاف جداً أن يكون هو الدليل الوحيد على صدق رسوله ـ ﷺ ـ في مواضع عدة، منها قوله: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: ٥١].
وتارة يقرر رسالته بما أظهر على يديه من المعجزات، وما أجرى له من الخوارق والكرامات، الدالِّ كل واحد منها بمفرده ـ فكيف إذا اجتمعت ـ على أنه رسول الله ـ ﷺ ـ الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
وتارة يقررها بعظيم شفقته على الخلق، وحُنوِّه الكامل على أمته، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وأنه لم يوجد ولن يوجد أحد من الخلق أعظم شفقة ولا براً وإحساناً إلى الخلق منه، وآثار ذلك ظاهرة للناظرين.
فهذه الأمور والطرق قد أكثر الله من ذكرها في كتابه وقررها بعبارات متنوعة، ومعاني مفصلة وأساليب عجيبة، وأمثلتها تفوق العد والإحصاء. والله أعلم.
القاعدة الثامنة
طريقة القرآن في تقرير المعاد