ونظير ذلك أن في بعض الآيات أخبر أنه ﴿ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَاْنٌ ﴾ [ الرحمن: ٣٩ ]، وفي بعضها: أنه يسألهم ﴿ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴾ [الشعراء: ٩٢] و﴿ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: ٦٥]، ويسألهم عن أعمالهم كلها.
فالسؤال المنفي: هو سؤال الاستعلام والاستفهام عن الأمور المجهولة، فإنه لا حاجة إلى سؤالهم، مع كمال علم الله، واطلاعه على ظاهرهم وباطنهم وجليل أمورهم ودقيقها.
والسؤال المُثْبَت: واقع على تقريرهم بأعمالهم وتوبيخهم وإظهارِ أن الله حكم فيها بعدله وحكمته.
ومن ذلك: الإخبار في بعض الآيات أنه لا أنساب بين الناس يوم القيامة، وفي بعضها: أثبت لهم ذلك، فالمثبت هو الأمر الواقع والنسب الحاصل بين الناس؛ كقوله: ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴾ [عبس: ٣٤، ٣٥] إلى آخرها، والمنفي: هو الانتفاع بها، فإن الكفار يدعون أن أنسابهم تنفعهم يوم القيامة فأخبر تعالى أنه ﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [ الشعراء: ٨٨-٨٩ ].
ونظير ذلك: الإخبار في بعض الآيات: أن النسب نافع يوم القيامة، كما في إلحاق ذرية المؤمنين بآبائهم في الدرجات، وإن لم يبلغوا منزلتهم، وأن الله يجمع لأهل الجنات والدرجات العالية من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، فهذا لما اشتركوا في الإيمان وأصل الصلاح زادهم من فضله وكرمه، من غير أن ينقص من أجور السابقين لهم شيئاً.
ومن ذلك: الشفاعة فإنه أثبتها فى عدة مواضع، ونفاها في مواضع من القرآن، وقيدها في بعض المواضع بإذنه ولمن ارتضى من خلقه، فتعين حمل المطلق على المقيد، وأنها حيث نفيت فهي الشفاعة بغير إذنه، ولغير من رضي الله قوله وعمله، وحيث أثبتت فهي الشفاعة التي بإذنه لمن رضيه الله وأذن فيه.


الصفحة التالية
Icon