ومن ذلك: أنه تارة يضيف الأشياء إلى أسبابها التي وقعت وتقع بها، وتارة يضيفها إلى عموم قدره، وأن جميع الأشياء واقعة بإرادته ومشيئته، فيفيد مجموع الأمرين إثبات التو حيد، وتفرد الباري بإيقاع الأشياء بقدرته ومشيئته، وإثبات الأسباب والمسببَّات، والأمرَ بالمحبوب منها، والنهي عن المكروه، وإباحةَ مستوى الطرفين فيستفيد المؤمن الجد والاجتهاد في الأخذ بالأسباب النافعة وتدقيق النظر وملاحظة فضل الله في كل أحواله، وأن لا يتكل على نفسه في أمر من الأمور بل يتكل على الله ويستعين بربه.
وقد يخبر أن ما أصاب العبد من حسنة فمن الله، وما أصاب من سيئة فمن نفسه، ليعرف عباده أن الخير والحسنات والمحاب تقع بمحض فضله وجوده، وإن جرت ببعض الأسباب الواقعة من العباد، فإنه هو الذي أنعم بالأسباب وهو الذي يسرها، وأن السيئات وهي المصائب التي تصيب العبد فإنما أسبابها من نفس العبد، وبتقصيره في حقوق ربه، وتعديه لحدوده، فالله وإن كان هو المقدر لها. فإنه قد أجراها على العبد بما كسبت يداه، ولهذا أمثلة يطول عدها.
القاعدة الثالثة عشرة
طريقة القرآن في الحجاج والمجادلة مع أهل الأديان الباطلة
قد أمر الله بالمجادلة بالتي هي أحسن، ومن تأمل الطرق التي نصب الله المحاجَّة بها مع المبطلين على أيدي رسله رآها من أوضح الحجج وأقواها، وأقومها وأدلها على إحقاق الحق وإزهاق الباطل، على وجه لا تشويش فيه ولا إزعاج.
فتأمل محاجة الرسل مع أممهم، وكيف دعَوْهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، من جهة أنه المتفرد بالربوبية، والمتوحد بالنعم، وهو الذي أعطاهم العافية، والأسماع والأبصار، والعقول والأرزاق، وسائر أصناف النعم، كما أنه المنفرد بدفع النقم، وأن أحداً من الخلق ليس يقدر على رفع ولا دفع، ولا ضر ولا نفع، فإنه بمجرد معرفة العبد ذلك واعترافه به لابد أن ينقاد للدين الحق، الذي به تتم النعمة، وهو الطريق الوحيد لشكرها.


الصفحة التالية
Icon