وأما قوله تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ [الأعلى: ٩] فإنها من أصل هذه القاعدة، ويظن بعض الناس أنها من هذا النوع، وأنه يجب التذكير، نفعت الذكرى أو لم تنفع. ولكن قصر الآية على هذا غلط (١)، فنفع الذكرى إذا كان يحصل بها الخير كله أو بعضه أو يزول بها الشر كله أو بعضه. فأما إذا كان ضرر التذكير أعظم من نفعه فإنه منهي عنه في هذه الحالة، كما نهى الله عن سب آلهة المشركين إذا كان وسيلة لسب الله. وكما ينهى عن الأمر بالمعروف إذا كان يترتب عليه شر أكبر أو فوات خير أكثر من الخير الذي يؤمر به، وكذلك النهي عن المنكر إذا ترتب عليه ما هو أعظم منه من شر أو ضرر. فالتذكير في هذه الحال غير مأمور به بل منهي عنه، وكل هذا من تفصيل قوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ﴾ [النحل: ١٢٥] فعُلم أن هذا قيد مراد ويرتبط الحكم به ثبوتاً وانتفاء والله أعلم.

(١) يقول الشيخ ابن عثيمين: " هذه فيها خلاف بين العلماء، هل إن قوله:" إن نفعت الذكرى " قيد؟ والمعنى: أنه لا يجب التذكير إلا إذا نفعت الذكرى، فإن كانت لا تنفع لا تذكر. أو أن هذا القيد للنداء عليهم بأن هؤلاء ما ينفع فيهم الخير، لكن أنت ذكر على كل حال.... وعلى القول الأول الذي رجحه الشيخ رحمه الله يكون قيدا مرادا، وأنه إذا لم تنفع الذكرى لم تجب، وفي هذا المقام لا تخلو الحال من ثلاثة أمور: إما أن تنفع أو تضر أو لا تنفع ولا تضر. إن نفعت وجب التذكير، وإن ضرت فلا تذكير، ينهى عن التذكير، وإن لم تضر ولم تنفع فإنها لا تجب ولا ينهى عنها. لكن هل الأولى أن يذكر إظهارا للحق وبيانا له، ولعلهم يرجعون إلى الحق فيما بعد، هذا هو الظاهر ؛ إذا لم يكن مضرة فإنه ينبغي أن يذكر أما إذا نفعت فإنه يجب أن يذكر "


الصفحة التالية
Icon