ومنها: أنه قال في عدة مواضع ﴿ وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ﴾ فربما توهم أحد أنهم وإن لم يسمعوا فإنهم يفهمون الإشارة. فأزال هذا الاحتمال بقوله: ﴿ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ [النمل: ٨٠] فهذه الحالة لا تقبل سماعاً ولا رؤية لتحصل الإشارة، وهذا نهاية الإعراض.
ومنها قوله: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ ربما توهم أحد أن هدايته تأتي جزافاً من غير سبب. فأزال هذا بقوله: ﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: ٥٦] أي: بمن يصلح للهداية لزكاته وخيره ممن ليس كذلك، فأبان أن هدايته تابعة لحكمته التي هي وضع الأشياء مواضعها. ومن كان حسن الفهم رأى من هذا النوع شيئاً كثيراً.
القاعدة الثامنة والعشرون
في ذكر الأوصاف الجامعة التي وصف الله بها المؤمن
لما كان الإيمان أصل كل الخير كله والفلاح، وبفقده يفقد كل خير ديني ودنيوي وأخروي، أكثر الله من ذكره في القرآن جداً: أمراً به، ونهياً عن ضده، وترغيباً فيه، وبياناً لأوصاف أهله، وما لهم من الجزاء الدنيوي والأخروي.
فأما إذا كان المقام مقامَ خطاب للمؤمنين بالأمر والنهي، أو مقامَ إثبات الأحكام الدنيويه بوصف الإيمان، فإنها تتناول كل مؤمن، سواء كان متمما لواجبات الإيمان وأحكامه، أو ناقصاً في شيءٍ منها.
وأما إذا كان المقام مقام مدح وثناء وبيان الجزاء الكامل للمؤمن: فإنما المراد بذلك المؤمن حقاً الجامع لمعاني الإيمان (١).
وهذا هو المراد بيانه هنا. فنقول:
وأما إذا كان السياق سياق مدح وثناء، فالمراد به الإيمان الكامل، فلا يدخل فيه الفاسق. "