ج ١، ص : ١٣٣
وتصريح بأنهم ما كانوا مخطئين في الفهم ولا متأولين للحكم، بل هم ارتكبوه عامدين مخالفين لما شرع اللّه لهم في دينهم.
(ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) أي إن كفرهم بآيات اللّه وجرأتهم على النبيين بالقتل، إنما كانا بسبب عصيانهم وتعديهم حدود دينهم، فإن للدين هيبة في النفس تجعل المتديّن به يحذر مخالفة أمره، حتى إذا تعدى حدوده مرّة ضعف ذلك السلطان الديني في نفسه، وكلما عاد إلى المخالفة كان ضعفه أشد، إلى أن تصير المخالفة طبعا وعادة وكأنه ينسى حدود الدين ورسومه، ولا يصبح للدين ذلك الأثر العميق الذي كان متغلغلا في قرارة نفسه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٦٢]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)
المعنى الجملي
بعد أن أنحى باللائمة على اليهود في الآيات السالفة، وبيّن ما حاق بهم من الذل والمسكنة، وما نالهم من غضب اللّه جزاء ما اجترحوه من السيئات من كفر بآيات اللّه، وقتل للنبيين، وعصيان لأوامر الدين، وترك لحدوده، ومخالفة لشرائعه، ذكر هنا حال المستمسكين بحبل الدين المتين من كل أمة وكل شعب ممن اهتدى بهدى نبى سابق، وانتسب إلى شريعة من الشرائع الماضية، وصدق في الإيمان باللّه واليوم الآخر، وسطع على قلبه نور اليقين، وأرشد إلى أنهم الفائزون بخيرى الدنيا والآخرة.