ج ١، ص : ١٤٨
المعنى الجملي
كان النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه شديدى الحرص على دخول اليهود في ساحة الدين الجديد، طامعين في انضوائهم تحت لوائه، لأن دينهم أقرب الأديان إلى دينهم فى تعاليمه ومبادئه وأغراضه، فهم يشركونهم في الاعتقاد بالتوحيد والتصديق بالبعث والنشور، وكتابهم مصدّق لما معهم.
فقصّ اللّه في هذه الآيات على المؤمنين من أنبائهم ما أزال به أطماعهم، وأيأسهم من إيمانهم بذكر ما كان يحدث من أسلافهم مع نبيهم موسى صلوات اللّه عليه بين آن وآخر من تمرد وعناد، وجحود وإنكار، فتأتيهم الآية تلو الآية، ويحلّ بهم من العقاب ما هم له أهل، فيطلبون من موسى أن يدعو اللّه ليرفع عنهم العذاب، ويستجيبوا لدعوته، حتى إذا ما رفعه عنهم عادوا سيرتهم الأولى معاندين جاحدين، وقد بلغ من عنادهم أن قالوا له : لا نصدق بك ولا نطيع أوامرك، حتى نسمع كلام اللّه ومناجاته إياك، فاختار موسى بأمر اللّه سبعين رجلا منهم لسماع الوحى، ومصاحبته إلى حيث يناجى ربه، فسمعوا كلامه بطريق نحن لا نعرفها ولا ندرك كنهها، واستيقنوا مناجاته ربه وسمعوا أوامره ونواهيه - ثم كان منهم أن حرّفوا كلام اللّه الذي حضروا وحيه وصرفوه عن وجهه بالتأويل والتحريف، وهذا مثبت عندهم في التوراة، وهى كتابهم المقدس.
فلا عجب إذا في إعراض الحاضرين عن هدى اللّه الذي جئت به، فالمعارضة والاستكبار دأبهم ورثوهما من أسلافهم الذين كانوا يحرّفون ويبدلون ويكابرون وهم يشاهدون الدلائل الحسية تترى بين يدى موسي عليه السلام، فأحر بهم أن يجحدوا دينا دلائله عقلية وآيته الكبرى معنوية، وهى القرآن الكريم بما اشتمل عليه من تشريع فيه سهولة وتيسير للناس، وفيه فصاحة أعجزت فصحاء العرب عن محاكاته، لجأوا إلى


الصفحة التالية
Icon