ج ١، ص : ٤٢
(وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) الصلاة فى اللغة الدعاء كما قال تعالى :(وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) ودعاء المعبود بالقول أو بالفعل أو بكليهما يشعر العابد بالحاجة إليه استدرارا للنعمة أو دفعا للنقمة.
والصلاة على النحو الذي شرعه الإسلام من أفضل ما يعبّر عن الشعور بعظمة المعبود وشديد الحاجة إليه لو أقيمت على وجهها. أما إذا خلت من الخشوع والخضوع فإنها تكون صلاة لا روح فيها، وإن كانت قد وجدت صورتها وهى الكيفيات المخصوصة ولا يقال للمصلى حينئذ إنه امتثل أمر ربه فأقام الصلاة، لأن الإقامة مأخوذة من أقام العود إذا سواه وأزال اعوجاجه، فلا بد فيها من حضور القلب فى جميع أجزائها واستشعار الخشية ومراقبة الخالق كأنك تنظر إليه كما
ورد فى الحديث « اعبد اللّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ».
ولما للصلاة من خطر فى تهذيب النفوس والسموّ بها إلى الملكوت الأعلى أبان اللّه تعالى عظيم آثارها بقوله :(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) وجعلها النبي صلى اللّه عليه وسلم عماد الدين
فقال :« الصلاة عماد الدين والزكاة قنطرة الإسلام ».
وقد أمر اللّه بإقامتها بقوله :(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) وبالمحافظة عليها وإدامتها بقوله :
(الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) وبأدائها فى أوقاتها بقوله :(إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) وبأدائها فى جماعة بقوله :(وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) وبالخشوع فيها بقوله :(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ).
(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) الرزق فى اللغة العطاء، ثم شاع استعماله فيما ينتفع به الحيوان وجمهرة المسلمين على أن كل ما ينتفع به حلالا كان أو حراما فهو رزق، وخصه جماعة بالحلال فقط.
والإنفاق والإنفاد أخوان، خلا أن فى الثاني معنى الإذهاب التام دون الأول، والمراد بالإنفاق هنا ما يشمل النقمة الواجبة على الأهل والولد وذوى القربى، وصدقة التطوع.
وفى قوله : مما رزقناهم إيماء إلى أن النفقة المشروعة تكون بعض ما يملك الإنسان،