ج ١، ص : ٧٤
نتائجها، ومعرفة المنافع والمضار بغاياتها، وأمر تشريع وهو ما جاء به الأنبياء من الشرائع لتبليغه للناس ليعملوا به.
فمن أنكر الإله وصفاته بعد أن شهدت بوجوده الآثار المنبثّة في الكون، أو أنكر نبوة نبىّ بعد أن أقام الدليل على صدقه فقد قطع ما أمر اللّه به أن يوصل بمقتضى العهد الفطري، لأنه قطع الصلة بين الدليل والمدلول.
ومن أنكر شيئا مما علم أن الرسول قد جاء به من الأوامر والنواهي، فقد قطع ما أمر اللّه به في كتبه أمر تشريع وتكليف، وهو لا يأمر إلا بما أثبتت التجربة منفعته، ولا ينهى إلا عما ثبتت مضرته.
ومشركو العرب بتكذيبهم النبىّ صلى اللّه عليه وسلم نقضوا عهد الفطرة، وأهل الكتاب نقضوا العهدين معا، فإن اللّه بشرهم في الكتب المنزلة على أنبيائهم بالنبي صلى اللّه عليه وسلم بذكر صفاته، فحرّفوا وأوّلوا متعمدين كما قال تعالى :(وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
(وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بصدهم عن سبيل اللّه يبغونها عوجا، وبالاستهزاء بالحق بعد ما تبين، وبإهمالهم هداية العقل وهداية الدين، فوجودهم في الأرض مفسدة لأنفسهم ومفسدة لأهلها.
(أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لأن إفسادهم لما عمّ العقائد والأخلاق بفقد هداية الفطرة وهداية الدين، استحقوا الخزي في الدنيا بحرمان السعادة الجسمية والعقلية والخلقية، والعذاب الأليم في الآخرة، ومن خسر السعادتين كان في خسران مبين.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)


الصفحة التالية
Icon