ج ١، ص : ٧٨
المعنى الجملي
هذه الآية كالتى قبلها تعداد للنعم الصارفة عن العصيان والكفر، الداعية إلى الإيمان والطاعة، فإن خلق آدم على تلك الصورة، وما أوتيه من نعمة العلم وحسن التصرف في الكون، وجعله خليفة اللّه في أرضه - لمن أجل النعم التي يجب على ذريته أن يشكروه عليها بحسن طاعته، والبعد عن كفرانه ومعصيته.
وفيها وفيما بعدها قصص لأخبار النشأة الإنسانية أبرز فيه حكما وأسرارا جاءت فى صورة مناظرة وحوار - وهو من المتشابه الذي لا يمكن حمله على المعنى الظاهر منه، لأنه إما استشارة من اللّه لعباده، وذلك محال، وإما إخبار منه للملائكة فاعتراض منهم ومحاجّة، وذلك لا يليق باللّه ولا بملائكته بحسب ما جاء في وصفهم في قوله :(لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) ومن ثم كان للعلماء في هذا وأمثاله رأيان :
(ا) رأى المتقدمين منهم، وهو تفويض الأمر إلى اللّه في بيان المراد من كلامه، مع العلم بأنه لا يخبرنا بشىء إلا لنستفيد به في أخلاقنا وأعمالنا، بذكر ما يقرّب المعاني إلى عقولنا.
فهذا الحوار المصوّر بصورة القول والمراجعة والسؤال والجواب لا ندرك حقيقة المراد منه، وان كنا نجزم بأن هناك مقاصد أريد إفادتها بهذه العبارات، وأن اللّه كان يعدّ لآدم هذا الكون، وأن لذلك المحلوق كرامة لديه بما أودعه فيه من فضائل ومزايا، وفائدة ذكر ذلك لنا من نواح عدة :
(١) بيان أن لا مطمع للإنسان في معرفة جميع أسرار الخليقة وحكمها، فالملائكة وهم أولى منا بعلمها عجزوا عن معرفتها.
(٢) أن اللّه قد هدى الملائكة بعد حيرتهم، وأجابهم عن سؤالهم، بأن أرشدهم


الصفحة التالية
Icon