ج ١٠، ص : ١١٦
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) بنصرهم ومعونتهم وتوفيقهم لما فيه خيرهم وصلاحهم، فمن يتق الظلم والعدوان فى الأرض وأسباب الفشل والخذلان فى القتال من تفرق الكلمة واختلاف الأهواء ومخالفة سنن اللّه فى الاجتماع - يكن اللّه معه، ومن كان اللّه معه فلا يغلبه أحد.
(إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ) المراد بالنسيء تأخير حرمة شهر إلى آخر.
بيان هذا أن العرب ورثت من ملة إبراهيم وإسماعيل تحريم القتال فى الأشهر الحرم لتأمين الحج وطرقه، ولما طال عليهم الأمد غيروا وبدلوا فى المناسك وفى تحريم الأشهر ولا سيما المحرم، إذ كان يشق عليهم ترك القتال وشن الغارة ثلاثة أشهر متواليات، فأحلوا شهر المحرم وأنسئوا تحريمه إلى صفر لتبقى الأشهر الحرم أربعة كما كانت، وفى ذلك مخالفة للنص ولحكمة التحريم.
وقد كان من عادتهم فى ذلك أن يقوم رجل من كنانة فى أيام منى حيث يجتمع الحجيج فيقول : أنا الذي لا يردّ لى قضاء، فيقولون صدقت، فأخّر عنا حرمة المحرم واجعلها فى صفر، فيحل لهم المحرم، وبذلك يجعل الشهر الحرام حلالا، ثم صاروا ينسئون غير المحرم ويسمون النسيء باسم الأصل، فتتغير أسماء الشهور كلها.
وبذلك يعلم أن النسيء تشريع دينى ملتزم غيّروا به ملة إبراهيم اتباعا للهوى وسوء التأويل، ومن ثم سماه اللّه زيادة فى الكفر، أي إنه كفر بشرع دين لم يأذن به اللّه زائد على شركهم باللّه وكفرهم به، إذ حق التشريع له وحده، فمنازعته فى ذلك شرك فى ربوبيته، وهم يضلون به سائر الكفار الذين يتبعونهم فيه ويظنون أنهم لم يخرجوا به عن ملة إبراهيم، إذ واطئوا عدة ما حرم اللّه من الشهور فى ملته ولم يزيدوا ولم ينقصوا وإن قدموا وأخروا مع أن المقصد فى ذلك العدد والتخصيص لا مجرد العدد، وإذ لم يفعلوا ذلك فقد استحلوا ما حرم اللّه.


الصفحة التالية
Icon