ج ١٠، ص : ١٥٨
فكان ضررها أكبر من نفعها لهم، لإسرافهم وإفسادهم فى الأرض، وكذلك أعمالهم الدينية فى الآخرة من عبادات وصلة رحم وصدقة وقرى ضيف، فلم يكن لهم أجر عليها ينقذهم من عذاب النار ويدخلهم الجنة، إذ شرط قبولها فى الآخرة الإيمان والإخلاص، فهم خسروا فى مظنة الربح والمنفعة.
ونحو الآية قوله :« هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ؟ ».
ثم نبههم وحذرهم سوء عاقبة أعمالهم فقال :
(أَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ) أي ألم يأت أولئك المنافقين والكفار الذين كانوا فى عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم خبر الأمم الذين كانوا من قبلهم حين عصوا رسلهم وخالفوا أمر ربهم فأخذهم العذاب كالطوفان الذي أغرق قوم نوح، والريح العقيم التي أهلكت عادا قوم هود، والصيحة التي أخذت ثمود، والعذاب الذي هلك به النّمروذ الذي حاول إحراق إبراهيم، والخسف الذي نزل بقرى قوم لوط وهم فيها.
وما كان من سنة اللّه ولا من مقتضى عدله وحكمته أن يظلمهم بما حل بهم من العذاب، وقد أعذرهم وأنذرهم ليجتنبوه، ولكن كانوا يظلمون أنفسهم بجحودهم وعنادهم وعدم مبالاتهم بإنذار رسلهم.
وقد ضرب هذا المثل للكافرين برسالته صلى اللّه عليه وسلم والمنافقين، ليبين لهم أن سنة اللّه فى عباده واحدة لا ظلم فيها ولا محاباة، فلابد أن يحلّ بهم من العذاب مثل ما حل بأمثالهم من أقوام الرسل إن لم يتوبوا.
وقد أهلك اللّه تعالى أكابر الجاحدين المعاندين منهم فى أول غزوة وهى غزوة بدر، ثم خذل من بعدهم فى سائر الغزوات، وما زال المنافقون يكيدون له فى السر حتى فضحهم اللّه بهذه السورة، فتاب أكثرهم ومات زعيمهم عبد اللّه بن أبىّ بغيظه وكفره ولم تقم للنفاق قائمة من بعده.