ج ١٠، ص : ٧٧
روى مسلم وأبو داود عن النعمان بن بشير قال :« كنت عند منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى نفر من أصحابه فقال رجل منهم : ما أبالى ألا أعمل للّه عملا بعد الإسلام إلا أن أسقى الحاج، وقال آخر بل عمارة المسجد الحرام، وقال آخر بل الجهاد فى سبيل اللّه خير مما قلتم، فزجرهم عمر وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأستفتيه فيما اختلفتم فيه، فدخل بعد الصلاة فاستفتاه فأنزل اللّه (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ - إلى قوله - وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ».
الإيضاح
(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ ) الخطاب فى الآية للمؤمنين الذين تنازعوا - أىّ الأعمال أفضل - والمراد - إنه لا ينبغى أن تجعلوا أهل السقاية والعمارة فى الفضيلة كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد فى سبيل اللّه، فإن السقاية والعمارة وإن كانتا من أعمال البر والخير فأصحابهما لا يدانون أهل الإيمان والجهاد فى علو المرتبة وشرف المقدار، وقد صرح بهذا فى قوله :
(لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) أي لا يساوى الفريق الأول الفريق الثاني لا فى صفته ولا فى عمله فى حكم اللّه ولا فى مثوبته وجزائه عليه لا فى الدنيا ولا فى الآخرة، فضلا عن أن يفضله كما يزعم كبراء مشركى قريش الذين كانوا يتبجحون بخدمة البيت ويستكبرون على الناس بها.
(وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي لا يهديهم إلى الحق فى أعمالهم ولا إلى الحكم العدل فى أعمال غيرهم، إذ ليس من سننه تعالى فى أخلاق البشر وأعمالهم أن يهدى الظالم إلى شىء من ذلك، ومن أقبح الظلم تفضيل خدمة حجارة البيت وحفظ مفتاحه وسقاية الحاج على الإيمان باللّه وحده، إذ به تطهر الأنفس من أدناس الشرك وخرافاته، وعلى الإيمان باليوم الآخر الذي يزع النفس عن البغي والظلم ويحبب