ج ١١، ص : ١٠٥
وبعد أن أقام الحجج على توحيد الربوبية والألوهية، بيّن حال المشركين الاعتقادية فقال :
(وَ ما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) أي إن أكثرهم لا يتبعون فى شركهم وعبادتهم لغير اللّه، ولا فى إنكارهم للبعث وتكذيبهم للرسول عليه الصلاة والسلام إلا ضربا من ضروب الظن قد يكون ضعيفا كأن يقيسوا غائبا على شاهد، ومجهولا على معروف ويقلدون الآباء اعتقادا منهم أنهم لا يكونون على باطل فى اعتقادهم، ولا ضلال فى أعمالهم وقليل منهم كان يعلم أن ما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وسلم هو الحق والهدى وأن أصنامهم وسائر معبوداتهم لا تضرّ ولا تنفع، ولكنهم يجحدون بآيات اللّه، ويكذبون رسوله صلى اللّه عليه وسلم عنادا واستكبارا وخوفا على زعامتهم أن تضيع سدى فيصبحون تابعين بعد أن كانوا متبوعين.
ثم بين حكم اللّه فى الظن فقال :
(إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) الحق هو الثابت الذي لا ريب فى ثبوته وتحققه أي إن الشك لا يقوم مقام اليقين في شىء ولا ينتفع به حيث يحتاج إلى اليقين.
وخلاصة ذلك - إن الظن لا يجعل صاحبه غنيّا بعلم اليقين فيما يطلب فيه ذلك كالعقائد الدينية، وبهذا تعلم أن إيمان المقلد غير صحيح.
(إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) أي إن اللّه عليم بما كانوا يعملون بمقتضى اعتقاداتهم الظنية والقطعية، فهو يحاسبهم ويجازيهم على كل عمل منها، كتكذيبهم للرسول صلى اللّه عليه وسلم مع قيام الأدلة القطعية على صدقه، واتباعهم للظن كالتقليد باتباع الآباء والأجداد.
وفى الآية إيماء إلى أن أصول الإيمان تبنى على اليقين دون الظن، فالعلم المفيد للحق ما كان قطعيا من كتاب أو سنة، وهو الدين الذي لا يجوز للمسلمين التفرق والاختلاف فيه، وما دونه مما لا يفيد إلا الظن فلا يؤخذ به فى الاعتقاد وهو متروك