ج ١١، ص : ١٠٩
وخلاصة ذلك - أنهم على إعجاز القرآن من جهة اللفظ والمعنى والإخبار بالغيب - قد أسرعوا فى تكذيبه قبل أن يتدبروا أمره أو ينتظروا وقوع ما أخبر به - وفى تكذيب الشيء قبل علمه المتوقع حصوله - شناعة وقصر نظر لا تخفى على عاقل، وفيه دليل على أنهم مقلدون.
(كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي مثل هذا التكذيب بلا تدبر ولا تأمل كذب الذين من قبلهم من مشركى الأمم رسلهم بما لم يحيطوا بعلمه قبل أن يأتيهم تأويله من عذاب اللّه الذي أوعدهم به.
(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) أي فانظر أيها الرسول الكريم كيف كان عاقبة الظالمين لأنفسهم بتكذيب رسلهم، لتعلم مصير من ظلموا أنفسهم من بعدهم، وهذه العاقبة هى التي بينها اللّه فى قوله :« فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ».
وقد أنذر اللّه قوم محمد صلى اللّه عليه وسلم بمثل ما نزل بالأمم قبلهم فى الدنيا بهذه الآية وغيرها من هذه السورة، كما أنذرهم عذاب الآخرة وكذبه المعاندون المقلدون فى كل ذلك ظنا منهم أنه لا يقع.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِي ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١)
المعنى الجملي
بعد أن أبان سبحانه فى الآية السالفة أنهم كذبوا بالقرآن قبل أن يأتيهم تأويله وقبل أن يحيطوا بعلمه - قفّى على ذلك بذكر حالهم بعد أن يأتيهم التأويل المتوقع، وبيّن أنهم حينئذ يكونون فريقين : فريق يؤمن به، وفريق يستمر على كفره وعناده.