ج ١٢، ص : ١٤٧
(وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) أي وهم يكفرون بالآخرة والحساب والجزاء على الوجه الذي دعا إليه الأنبياء، إذ أنهم كانوا يصورون حياة الآخرة على صور مبتدعة، منها أن فراعنتهم يعودون إلى الحياة الآخرة بأجسادهم المحنطة ويرجع إليهم الحكم والسلطان كما كانوا فى الدنيا، ومن ثم كانوا يضعون معهم فى مقابرهم جواهرهم وحليهم، ويبنون الأهرام لحفظ جئثهم وما معهم، ولهم معتقدات أخرى فى تلك الحياة لا تشا كل ما جاء عنها على ألسنة الرسل عليهم السلام.
(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) أي واتبعت ملة آبائي الذين دعوا إلى التوحيد الخالص وهم إبراهيم وإسحق ويعقوب، وفى ذكر ذلك ترغيب لصاحبيه فى الإيمان والتوحيد وتنفير لهما عما هما فيه من الشرك والضلال.
ثم بين أساس الملة التي ورثها عن أولئك الآباء الكرام فكانت يقينا له بقوله :
(ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ) أي لا ينبغى لنا معشر الأنبياء أن نشرك باللّه شيئا فنتخذه ربا مدبرا معه ولا إلها معبودا من الملائكة أو البشر كالفراعنة، فضلا عما دونهما من البقر كالعجل أبيس أو من الشمس والقمر، أو ما يتخذ من التماثيل والصور لهذه الآلهة.
(ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ) أي عدم الإشراك من فضل اللّه علينا، إذ هدانا إلى معرفته وتوحيده فى ربوبيته وألوهيته، بوحيه وآياته فى الأنفس والآفاق، وعلى الناس بإرسالنا إليهم، ننشر فيهم الدعوة، ونقيم عليهم الحجة، فنهديهم سبيل الرشاد، ونبين لهم محجة الصواب، ونبعدهم عن طرق الغواية والضلال.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) نعم اللّه عليهم، فيشركون به أربابا وآلهة من خلقه، يذلون أنفسهم بعبادتهم، وهم مخلوقون للّه مثلهم أو أدنى منهم.