ج ١٣، ص : ٦١
الإيضاح
(المر) قلنا فيما سلف إن هذه الحروف فى أوائل السور حروف تنبيه كألا ونحوها وتقرأ بأسمائها ساكنة فيقال « ألف، لام، ميم، را » كما قلنا إن كل سورة بدئت بهذه الحروف ففيها انتصار للقرآن، وتبيان أن نزوله من عند اللّه حق لا شك فيه.
(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) أي آيات هذه السورة آيات القرآن البالغ حد الكمال المستغنى عن الوصف بين الكتب السماوية، الجدير بأن يختص باسم « الكتاب ».
(وَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ) أي وكل القرآن الذي أنزله إليك ربك حق لا شك فيه، وهذا كالإجمال بعد التفصيل لما تقدم من وصف السورة بالكمال فكأنه سبحانه بعد أن أثبت لهذه السورة الرفعة والكمال عمم هذا الحكم فأثبته للقرآن جميعه، فلا تختص به سورة دون أخرى.
وهذا الأسلوب جار على سنن العرب فى تخاطبهم فقد قالت فاطمة الأنمارية وقد سئلت عن بنيها، أىّ بنيك أفضل ؟ (ربيعة، بل عمارة، بل قيس، بل أنس، ثكلتهم إن كنت أعلم أيّهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها) فبعد أن أثبتت الفضل لكل منهم على سبيل التعيين، أجملت القول وأثبتت لهم الفضل جميعا.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) أي ولكن أكثر الناس لا يصدقون بما أنزل عليك من ربك، ولا يقرون بهذا القرآن وما فيه من بديع الأمثال والحكم والأحكام التي تناسب مختلف العصور والأزمان والتي لو سار الناس على سننها لسعدوا فى الدنيا والآخرة وقد سلك المسلمون سبيلها فى عصورهم الأولى فكانوا خير أمة أخرجت للناس، وامتلكوا أكثر المعمور فى ذلك الحين وثلّوا عروش كسرى والروم ودانت لهم الرقاب، وساسوا الملك سياسة شهد لهم أعداؤهم بأنها كانت سياسة عدل ورفق، وأخذ على يد الظالم لإنصاف المظلوم، فللّه دين رفع من قدر أهله حتى أوصلهم