ج ١٤، ص : ١٥٥
يومى هذا - وقد صدق فكل من أفتى بخلاف ما فى كتاب اللّه وسنة رسوله لجهله بما فيهما فقد ضل وأضل من يفتيهم، وللّه در القائل :
كبهيمة عمياء قاد زمامها أعمى على عوج الطريق الحائر
أخرج الطبراني عن ابن مسعود قال :« عسى رجل يقول إن اللّه أمر بكذا أو نهى عن كذا فيقول اللّه عزّ وجلّ كذبت، أو يقول إن اللّه حرم كذا أو أحل كذا فيقول اللّه له كذبت ».
ثم أوعد المفترين وهددهم أشد التهديد فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) أي إن الذين يتخرّصون الكذب على اللّه فى أمورهم صغيرها وكبيرها لا يفوزون بخير فى المطالب التي لأجلها كذبوا على ربهم، إذ هم متى عرفوا بالكذب مجّهم الناس وانصرفوا عنهم وعاشوا أذلة بينهم ممقوتين، ويكونون مضرب الأمثال فى الهوان والصغار - إلى ما يصيبهم من الخزي والوبال يوم القيامة.
ثم بين أن ما يحصل لهم من المنافع بالافتراء على اللّه ليس شيئا مذكورا إذا قيس بالمضارّ التي تنجم منه فقال :
(مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي إن المنافع التي قد تحصل لهم على ذلك فى الدنيا لا يعتدّ بها فى نظر العقلاء إذا ووزن بينها وبين المضارّ التي فى الآخرة، فما متاع الدنيا إلا ظل زائل ثم يفنى ويبقى لهم العذاب الأليم حين مصيرهم إلى ربهم بما اجترحوا من السيئات، ودنّسوا به أنفسهم من أو ضار الإثم والفجور والكذب على بارئهم الذي خلقهم وصوّرهم فأحسن صورهم.
ونحو الآية قوله :« نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ ».
وبعد أن بين ما يحل وما يحرم لأهل الإسلام أتبعه ببيان ما خص به اليهود من المحرمات فقال :
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) أي وحرمنا من قبلك