ج ١٤، ص : ١٦٣
(وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) أي ولا يضق صدرك بما يقولون من الجهل بنسبتك إلى السحر والكهانة والشعر احتيالا وخديعة لمن أراد الإيمان بك، وصدّا عن سبيل اللّه.
وقصارى ذلك - إنه نهى نبيه صلى اللّه عليه وسلّم أن يضيق صدره مما يلقى من أذى المشركين على تبليغهم وحي اللّه وتنزيله كما قال :« فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ » وقال :« فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ».
فاللّه كافيك أذاهم، وناصرك عليهم، ومؤيدك ومظهرك عليهم، فمهما حاولوا إيصال الأذى بك، فإن اللّه مبعده عنك، ومحبط ما صنعوا وهم لا يشعرون.
(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) أي إن اللّه مع الذين اتقوا محارمه فاجتنبوها خوفا من عقابه، والذين يحسنون رعاية فرائضه، والقيام بحقوقه، ولزوم طاعته فيما أمرهم به، وفى ترك ما نهاهم عنه.
ونحو الآية قوله لموسى وهرون :« لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى » وقول النبي صلى اللّه عليه وسلّم للصدّيق وهما فى الغار فيما حكى اللّه عنه :« لا تحزن إنّ اللّه معنا ».
وقصارى ذلك - إن اللّه تعالى ولىّ الذين تبتّلوا إليه، وأبعدوا الشواغل عن أنفسهم، فلم يحزنوا لفوت مطلوب، ولم يفرحوا لنيل محبوب، والذين هم محسنون أعمالهم برعاية فرائضه وأداء حقوقه على النحو اللائق بجلاله وكماله، وقد فسر النبي صلى اللّه عليه وسلم الإحسان
فقال :« أن تعبد اللّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ».
واللّه نسأل أن يهدينا إلى سواء السبيل، وأن يوفقنا للفقه فى دينه، ويفتح لنا خزائن أسراره، بحرمة كتابه، وكنوز شريعته التي أنزلها على رسوله النبي الأمى، والحمد للّه رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين :


الصفحة التالية
Icon