ج ١٤، ص : ٦٤
لما يلزم ذلك من المشابهة بينه تعالى وبينها، ثم أردف ذلك بيان أن لهذا الخالق نعما لا تحصى على عباده، وأنهم مهما بالغوا فى الشكر، واجتهدوا فى العبادة، فليسوا ببالغين شيئا مما يجب عليهم نحوه، ولكنه يستر عليهم ما فرط من كفرانها، ويرحمهم بفيض النعم عليهم مع عدم استحقاقهم لها، ثم أعقب هذا بذكر خواص الألوهية وهى علم السر والنجوى والخلق وهذه الأصنام ليس لها شىء من ذلك، فهى مخلوقة لا خالقة، ولا شعور لها بحشر ولا نشر، ومن هذا كله يعلم أن الإله واحد لا شريك له، ثم ذكر الأسباب الداعية إلى الإشراك، وهى تحجّر القلوب وإنكار التوحيد، فهى لا ترغب فى الثواب، ولا ترهب العقاب، وتستكبر عن عبادة الواحد الديان - لا جرم بقيت مصرّة على ما كانت عليه من الجهل والضلال.
الإيضاح
(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ ؟ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ؟ ) أي أ فمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم وينعم هذه النعم العظيمة - كمن لا يخلق شيئا ولا ينعم نعما صغيرة ولا كبيرة، أفلا تذكرون هذه النعم وهذا السلطان العظيم والقدرة على ما شاء من الحكمة، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها، وأنها لا تجلب إلى نفسها نفعا، ولا تدفع ضرا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه من عبادتها، وإقراركم لها بالألوهية.
وخلاصة هذا - الإنكار عليهم ورميهم بالجهل وسوء التقدير وقلة الشكر لمن أنعم عليهم بما لا يحصى من النعم، مع وضوح ذلك وقلة احتياجه إلى تدبر وتفكر وإطالة نظر، بل يكفى فيه تنبه العقل، ليعلم أن العبادة لا تليق إلا للنعم بكل هذه النعم، أما هذه الأصنام التي لا فهم لها ولا قدرة ولا اختيار، فلا تنبغى عبادتها ولا الاشتغال بطاعتها.
قال قتادة فى الآية : اللّه هو الخالق الرازق، لا هذه الأوثان التي تعبد من دون اللّه، لا تخلق شيئا ولا تملك لأهلها ضرا ولا نفعا اه.