ج ١٤، ص : ٨٥
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢)
المعنى الجملي
بعد أن حكى سبحانه أن الكفار أقسموا باللّه جهد أيمانهم على إنكار البعث والقيامة، وتمادوا فى الغىّ والضلالة، (ومن هذه حاله فليس بالعسير عليه أن يقدم على إيذاء المؤمنين بألوان من الإيذاء، حتى يضطروهم إلى الهجرة عن الديار ومفارقة الأهل والأوطان) - ذكر هنا حكم تلك الهجرة وبين ما لهؤلاء المهاجرين من حسنات فى الدنيا وأجر فى الآخرة، من جراء أنهم فارقوا أوطانهم وصبروا وتوكلوا على اللّه.
وفى هذا تر غيب لغيرهم فى الهجرة واحتمال كل أذى فى سبيل اللّه احتسابا للأجر.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى هذه الآية قال : هؤلاء أصحاب محمد، ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم، حتى لحق طوائف منهم بأرض الحبشة، ثم بوّأهم اللّه المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين.
الإيضاح
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) أي والذين فارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم، وذهبوا إلى بلاد أخرى احتسابا لأجر اللّه ونيلا لمرضاته، من بعد ما نالهم من الكفار من أذى فى أنفسهم وأموالهم - لنسكننّهم فى الدنيا مساكن حسنة يرضونها، إذ هم لما تركوا مساكنهم وأموالهم ابتغاء مرضاة اللّه عوضهم اللّه خيرا منها فى الدنيا، فمكّن لهم فى البلاد، وحكّمهم فى رقاب العباد، وصاروا أمراء وحكاما، وكان كل منهم للمتقين إماما.