ج ١٤، ص : ٩٦
للأصنام التي لا يعلمون منها ضرا ولا نفعا نصيبا مما رزقناهم من الحرث والأنعام وغيرهما مما خلق اللّه يتقربون به إليها، وهذا إشراك منهم لما لا يعلمون منه الفائدة بالذي يعلمون أنه الذي هو خلقهم وهو الذي رزقهم وهو الذي ينفعهم وهو الذي يضرهم دون غيره، وقد سبق تفصيل ذلك فيما حكى اللّه عنهم فى سورة الأنعام بقوله :« وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ ».
ثم توعدهم على ما فعلوا فقال :
(تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) أي أقسم لأسألنّكم عما افتر يتموه واختلقتموه من الباطل، ولأعاقبنكم على ذلك عقوبة تكون كفاء كفرانكم نعمى، وافترائكم علىّ.
ونحو الآية قوله :« فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ».
وهذا السؤال سؤال تأنيب وتقريع لهم على ما اجترحوا من أقوال وأفعال.
(٢) (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) أي ولقد بلغ من جهل هؤلاء المشركين وعظيم أباطيلهم أنهم يجهلون خلقهم، ودبّر شؤونهم، واستحق شكرهم على جزيل نعمائه - البنات، إذ قالت خزاعة : الملائكة بنات اللّه كما قال عز اسمه :« وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً » وعبدوها مع اللّه وقد أخطئوا فى ذلك خطأ كبيرا، وضلوّا ضلالا بعيدا، إذ نسبوا إليه الأولاد ولا أولاد له، وأعطوه منها أخسها وهى البنات وهم لا يرضونها لأنفسهم، بل لا يرضون إلا البنين كما قال تعالى :« أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى ؟ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى » وقال :
«
أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ؟ ما لَكُمْ، كَيْفَ تَحْكُمُونَ »
.
والمراد من قوله ولهم ما يشتهون : انهم يختارون لأنفسهم الذكور ويأنفون من البنات التي نسبوها إلى اللّه، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.


الصفحة التالية
Icon