ج ١٥، ص : ١١٩
الناس فى شأن البعث والقيامة فرقتين : فرقة به وأخرى كافرة، فحزن الملك لذلك حزنا شديدا، وضرع إلى اللّه أن يرى الناس آية يرشدهم بها إلى أن الساعة آتية لا ريب فيها، وقد خطر إذ ذاك ببال راع يسمى (أولياس) أن يهدم باب الكهف ويبنى به حظيرة لغنمه، فلما هدمه استيقظوا جميعا فجلسوا مستبشرين، وقاموا يصلون، ثم قال بعضهم لبعض : كم لبثتم نياما ؟ قال بعضهم : لبثنا يوما أو بعض يوم، وقال آخرون ربكم أعلم بما لبثتم، فابعثوا أحدكم بورقكم (الورق الفضة) هذه إلى المدينة، فلينظر أيها أزكى طعاما وليحضر لنا جانبا منه، فذهب تمليخا كما اعتاد من قبل، ليشترى لهم الطعام وهو متلطّف فى السؤال مختف حذرا من دقيانوس.
وبينما هو ماش سمع اسم المسيح ينادى به فى كل مكان، فحدّث نفسه وقال :
عجبا لم لم يذبح دقيانوس هؤلاء المؤمنين ؟ وبقي حائرا دهشا وقال : ربما أكون فى حلم أو لعل هذه ليست مدينتنا، فسأل رجلا ما اسم هذه المدينة، قال (أفسوس) وفى آخر مطافه تقدم إلى رجل فأعطاه ورقا ليشترى به طعامه، فدهش الرجل من نوع هذا النقد الذي لم يره من قبل، وأخذ يقلّبه ويعطيه إلى جبرته، وهم يعجبون منه ويقولون له : أ هذا من كنز عثرت عليه، فإن هذه الدراهم من عهد دقيانوس، وقد مضت عليه حقبة طويلة ثم أخذوه وقادوه إلى حاكمى المدينة، فظن فى بادىء الأمر أنهم ساقوه إلى دقيانوس، ولكن لما عرف أنه لم يؤت به إليه زال عنه الكرب، وجفت مدامعه، ثم سأله حاكما المدينة وهما أريوس وطنطيوس : أين الكنز الذي وجدت يافتى ؟ وبعد حوار بينه وبينهما ذكر لهما خبر الفتية ودقيانوس وأن حديثهما كان أمس وإن كان لديكما ريب من أمرى فها هو ذا الكهف فاذهبا معى لتريا صدق ما أقول، فسارا معه حتى وصلا إلى باب الكهف، وتقدمهما تمليخا فأخبرهما بالحديث كله، فداخلهما العجب حين علما أنهم ناموا تسعا وثلاثمائة سنة، وأنهم أوقظوا ليكونوا آية للناس.


الصفحة التالية
Icon