ج ١٥، ص : ١٣
الإيضاح
(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا) أي وأعطينا موسى التوراة وجعلنا فيها هداية لبنى إسرائيل، وقلنا لهم : لا تتخذوا من دونى وليا ولا نصيرا تكلون إليه أموركم، وهذه مقالة أوحى اللّه بها إلى كل نبى أرسله، أمرهم جميعا أن يعبدوه وحده لا شريك له، وألا يعوّلوا فى أمر إلا عليه.
وقد جاءت هذه الآية عقب ذكر آية الإسراء بالنبي صلى اللّه عليه وسلّم من قبل أن موسى أوتى التوراة بمسيره إلى الطور، كما أسرى بمحمد إلى بيت المقدس.
ثم نبّه إلى عظيم شرف بنى إسرائيل، وإتمام نعمته عليهم، ليكون فى ذلك تهييج لهم، وبيان لعظيم المنة عليهم فقال :
(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) أي يا سلالة ذلك النبي الكريم الذي شمله اللّه بجميل رعايته، وأنجاه من غرق الطوفان، بما ألهمه من عمل السفينة التي حمل فيها من كل زوجين اثنين، أنتم من حفدة أبنائه، فتشبهوا بأبيكم، واقتدوا به، فإنه كان عبدا شكورا أي مبالغا فى الشكر، بصرفه كل ما أنعم اللّه به عليه فيما خلق لأجله، فاللسان لذكر اللّه، والعقل للفكر فيما خلق اللّه، والبصر للتأمل فيما صنع اللّه، وهكذا بقية الحواس وأعضاء الجسم.
أخرج ابن مردويه عن معاذ بن أنس الجهني أن النبي صلى اللّه عليه وسلّم قال :« إن نوحا كان إذا أمسى وأصبح قال سبحان (اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ).
وأخرج ابن جرير والبيهقي والحاكم عن سلمان الفارسي قال :« كان نوح إذا لبس ثوبا أو أطعم طعاما حمد اللّه تعالى فسمّى عبدا شكورا ».
وفى هذا إيماء إلى أن إنجاء من كان معه كان ببركة شكره، وفيه حث للذرية على الاقتداء به، وزجر لهم عن الشرك الذي هو أفظع مراتب الكفر.