ج ١٥، ص : ١٤٩
ولم تنقص منه شيئا فى سائر الأعوام على خلاف ما يعهد فى الكروم والأشجار من أنها تكثر غلتها أعواما وتقل أعواما أخرى.
(وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) أي وشققنا وسط الجنتين نهرا كبيرا تتفرع منه عدة جداول، ليدوم سقيهما، ويزيد بهاؤهما وتكثر غلتهما.
(وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) أي وكان لصاحب الجنتين أموال أخرى غيرهما من ذهب وفضة ثمرها بما ادخره من غلات الجنتين ومن تجارات أخرى.
وخلاصة ذلك - إنه سبحانه أنعم عليه بخيرات الدنيا صامتها وناطقها، ثاغيها وراغيها، وكان له مزارع يستخدم فيها أعوانه وخدمه ولا يستعصى عليه شىء من مسرات الدنيا ومباهجها، ولذاتها ونعيمها.
وبعد أن تم له الأمر وقعد على سنام العز والكبرياء، داخله الزّهو والخيلاء.
(فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً) أي فقال لصاحبه المؤمن حين حاوره وراجعه الحديث، مذكرا له بالإيمان باللّه والبعث والقيامة : أنا أكثر منك مالا كما ترى من جناتى وزروعى المختلفة، وأعز عشيرة ورهطا تقوم بالذبّ عنى ودفع خصومتى، وتنفر معى عند الحاجة إلى ذلك.
ثم زاد فخرا على صاحبه المسلم وأراه عيانا ما يتمتع به من المناظر البهيجة فى تلك الجنان التي لا تفنى، وذلك ما أخبر عنه سبحانه بقوله :
(وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً، وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) أي ودخل هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب وأشجار ونخيل، ومعه صاحبه، هاتين الجنتين وطاف به فيهما مفاخرا وقال حين عاين ما فيهما من أشجار وثمار وزروع وأنهار مطردة : ما أظن أن تفنى هذه الجنة أبدا ولا تخرب - كما قال (وهو شاك فى المعاد إلى اللّه والبعث والنشور) ما أظن أن يوم القيامة آت كما تقولون، وقد كان فى كل ذلك ظالما لنفسه، إذ وضع الشيء فى غير موضعه، فقد كان أليق به أن يكون شاكرا لتلك