ج ١٥، ص : ١٥١
يعلمها كل أحد من نفسه، فما من أحد إلا يعلم أنه كان معدوما ثم وجد، وليس وجوده من نفسه. ولا مستندا إلى شىء من المخلوقات، لأنها مثله، وقد أشار إلى ذلك بقوله :
(لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) أي لكن أنا لا أقول بمقالتك، بل أعترف بالوحدانية والربوبية وأقول هو اللّه ربى.
(وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) فهو المعبود وحده لا شريك له.
وفى هذا تعريض بأن صاحبه لما عجز اللّه عن البعث فقد جعله مساويا لخلقه فى هذا العجز، وإذا أثبت المساواة فقد أثبت الشريك.
ثم زاد فى عظة صاحبه فقال له :
(وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ : ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) أي وهلا إذ أعجبتك جنتك حين دخلتها ونظرت إليها - حمدت اللّه على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعط غيرك، وقلت : الأمر ما شاء اللّه، والكائن ما قدره اللّه، ليكون ذلك منك اعترافا بالعجز، وبأن كل خير بمشيئة اللّه وفضله، وهلا قلت : لا قوة إلا باللّه، إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها فإنما هو بمعونة اللّه وتأييده.
وبعد أن نصح الكافر بالإيمان، وأبان له عظيم قدرة اللّه وكبير سلطانه - أجابه عن افتخاره بالمال والنفس ورد على قوله : أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا فقال :
(إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً، فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً. أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) أي إن ترنى أيها الرجل أفقر منك فإنى أرجو اللّه أن يقلب الآية، ويجعل ما بي بك، ويرزقنى الغنى، ويرزقنى لإيمانى جنة خيرا من جنتك، ويسلبك بكفرك نعمته، ويخرب جنتك، بأن يرسل عليها مطرا من السماء يقلع زروعها وأشجارها، أو يجعل ماءها يغور فى الأرض، فلن تطيق أن تدركه بعد غوره بطلبك إياه.