ج ١٥، ص : ٧
ويرى آخرون أن الإسراء كان بالروح فحسب، ولهم على ذلك حجج :
(ا) إن معاوية بن أبى سفيان كان إذا سئل عن سرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم قال : كان رؤيا من اللّه صادقة - وقد ضعّف هذا بأن معاوية يومئذ كان من المشركين فلا يقبل خبره في مثل هذا.
(ب) إن بعض آل أبى بكر قال : كانت عائشة تقول ما فقد جسد ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، ولكن أسرى بروحه، ونقدوا هذا بأن عائشة يومئذ كانت صغيرة ولم تكن زوجا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم.
(ج) إن الحسن قال فى قوله (وما جعلنا الرؤيا) الآية إنها رؤيا منام رآها (والرؤيا تختص بالنوم).
قال أبو جعفر الطبري : الصواب من القول فى ذلك عندنا أن يقال : إن اللّه أسرى بعبده محمد صلى اللّه عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما أخبر اللّه عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم أن اللّه حمله على البراق حتى أتاه به وصلى هناك بمن صلى من الأنبياء والرسل فأراه ما أراه من الآيات، ولا معنى لقول من قال أسرى بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن فى ذلك ما يوجب أن يكون دليلا على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكرا عندهم ولا عند أحد من ذوى الفطرة الصحيحة من بنى آدم أن يرى الرائي منهم فى المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل - وبعد فإن اللّه إنما أخبر فى كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا بأنه أسرى بروح عبده، وليس جائزا لأحد أن يتعدى ما قال اللّه إلى غيره - إلى أن الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم أن اللّه أسرى به على دابة يقال لها البراق، ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد اه.