ج ١٦، ص : ١١٥
(فأتياه فقولا إنا رسولا ربك) أي فقابلاه وقولا له : إن اللّه أرسلنا إليك - وقد أمرا بتبليغه ذلك من أول وهلة، ليعرف لهما حقهما، ويفكر فيما يقابلهما به من الرد على ما ادّعيا.
وفى التعبير بقولهما (ربك) إيماء إلى أن ما ادعيته من الربوبية لنفسك، مما لا ينبغى أن يلتفت إليه، ولا أن ينظر إليه نظرة الاعتبار والصدق.
(فأرسل معنا بنى إسرائيل ولا تعذبهم) أي فأطلق بنى إسرائيل من الأسر، ولا تعذبهم بتسخيرك إياهم فى شاقّ الأعمال كالحفر والبناء ونقل الأحجار، وقد كان المصريون يستخدمونهم هم ونساء هم فى تلك الأعمال.
وإنما بدأ بهذا الطلب دون دعوة هذا الطاغية وقومه إلى الإيمان، لأنه أخف وأسهل من ذلك، لما فيه من تبديل الاعتقاد وهو عسر شاقّ على النفس.
ثم ذكرا ما يوجب امتثال أمرهما، ويؤكد دعوى رسالتهما بقولهما.
(قد جئناك بآية من ربك) أي قد جئناك بالحجة البالغة، والبرهان الساطع، على أنه أرسلنا إليك، وإن لم تصدقنا فيما نقول أريناكها.
(والسلام على من اتبع الهدى) أي والسلامة والأمن من العذاب فى الدنيا والآخرة على من اتبع رسل ربه، واهتدى بآياته التي ترشد إلى الحق، وتنيل البغية، وتبعد عن الغى والضلال.
قال الزّجّاج : أي من اتبع الهدى سلّم من سخط اللّه وعذابه، وليس بتحية، والدليل على ذلك أنه ليس بابتداء لقاء ولا خطاب اه.
ويمثل هذا كتب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى هرقل ملك الروم قال :
بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللّه إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، فاسلم تسلم يؤتك اللّه أجرك مرتين.
وفى هذا ترغيب فى التصديق على أتم وجوهه، وتنفير من مخالفته، وصد عنها على أقصى غاية كما لا يخفى.