ج ١٦، ص : ١٣٨
وبما حدث من فتنة السامري لبنى إسرائيل ورجوع موسى إليهم غضبان أسفا، ثم معاقبته لهم على ما صنعوا، ثم ذكر الحيلة التي فعلها السامري حين أخرج لهم من حليهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى، فرد اللّه عليهم ووبخهم بأن هذا العجل لا يجيبهم إذا سألوه، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا فى دينهم ولا دنياهم.
الإيضاح
(وما أعجلك عن قومك يا موسى ؟ ) المراد بالقوم النقباء السبعون، وإعجاله عنهم تقدمه عليهم، أي أىّ شىء عجّل بك عن قومك، وجعلك تتقدمهم ؟.
والمراد الإنكار عليه فى تقدمه عليهم، لأن ذلك يقتضى إغفال أمرهم وعدم العناية بهم، مع أنه مأمور باستصحابهم وإحضارهم معه، وإنكار للعجلة فى ذاتها أيضا، ولا سيما من أولى العزم الذين يجدر بهم مزيد الجزم.
(قال هم أولاء على أثرى) أي قال موسى مجيبا ربه : هم أولاء بالقرب منى آتون على أثرى، وما تقدمتهم إلا بخطإ يسيرة لا يعتدّ بها، وليس بينى وبينهم إلا مسافة قريبة، يتقدم بها بعض الرفقة على بعض.
(وعجلت إليك رب لترضى) أي وعجلت إليك رب لتزداد عنى رضا، بالمسارعة إلى امتثال أمرك، والوفاء بعهدك.
وخلاصة معذرته - إنى اجتهدت أن أتقدم قومى بخطإ يسيرة، ظنا منى أن مثل ذلك لا ينكر، فأخطأت فى اجتهادي، وقد حملنى على ذلك طلب الزيادة فى مرضاتك، وكأنه عليه السلام يقول : إنما أغفلت هذا الأمر مبادرة إلى رضاك ومسارعة إلى الميعاد، والموعود بما يسرّ يود لو ركب أجنحة الطير ليحظى بما يبتغى ويريد.
(قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك) أي قال : إنا قد اختبرنا قومك الذين خلفتهم مع هرون من بعد فراقك. قال ابن الأنبارى : صيّرناهم مفتونين أشقياء بعبادة العجل