ج ١٦، ص : ٨٤
وقد أفصح عن هذا شاعر مصر أحمد بك شوقى فقال :
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوانى
ثم بين سبحانه ما سيظهر فى ذلك اليوم من الفصل بين المتقين والمجرمين فى كيفية الحشر فقال :
(يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) أي واذكر أيها الرسول لقومك، يوم نحشر المتقين إلى دار الكرامة ركبانا، كما يفد الوافدون على أبواب الملوك، ينتظرون إكرامهم وإنعامهم.
وقد أثر عن علىّ أنه قال : واللّه ما يحشر الوفد على أرجلهم، ولا يساقون سوقا، ولكنهم يؤتون بنوق لم ير الخلائق مثلها. وعليها رحال الذهب. وأزمّتها الزبرجد، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة - وهذا تمثيل لحالهم فى عزهم وعظمتهم وإكرام ربهم لهم.
(ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) أي ونسوق الكافرين باللّه إلى جهنم مشاة قد تقطعت أعناقهم من العطش، فهم كالدواب التي ترد الماء.
(لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) أي لا يملك العباد الشفاعة إلا من اتخذ عهدا عند اللّه، بأن أعد لها عدّتها فكان فى الدنيا هاديا مصلحا، فيكون فى الآخرة شافعا مشفّعا، لا جرم أن ينالها فى الآخرة على مقدار هدايته فى الدنيا، فالشفاعة حينئذ لا تكون إلا للأنبياء والعلماء والشهداء على مقدار أتباعهم.
روى أن ابن مسعود قرأ هذه الآية ثم قال : أتّخذ عند اللّه عهدا، فإن اللّه يقول يوم القيامة : من كان له عند اللّه عهد فليقم، قالوا يا أبا عبد الرحمن فعلّمنا، قال : قولوا « اللهمّ فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، إنى أعهد إليك فى هذه الحياة الدنيا ألا تكلنى إلى عمل يقربنى من الشر ويباعدنى من الخير، وإنى لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لى عندك عهدا تؤديه إلىّ يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد ».