ج ١٧، ص : ١٠
ثم أمرهم سبحانه أن يسألوا فى ذلك أهل الكتاب من اليهود والنصارى تبكيتا لهم وإزالة لما علق بأذهانهم من الاستبعاد بعد أن بين لهم وجه الحق فقال :
(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أي فاسألوا أهل الكتاب ممن يؤمن بالتوراة والإنجيل - يخبروكم عن ذلك إن كنتم لا تعلمون الحق، ولا يستبين لكم الصواب.
وبعد أن بين أنه صلّى اللّه عليه وسلم على سنة من مضى من الرسل فى كونه رجلا - بين أنه على سنتهم فى سائر الأوصاف التي حكم بها على البشر فى معيشتهم وموتهم فقال :
(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ) أي وما جعلنا الرسل الذين أرسلناهم من قبلك إلى الأمم الماضية قبل أمتك - جسدا لا يأكلون الطعام : أي لم نجعلهم ملائكة لا يأكلون الطعام، بل جعلناهم أجسادا مثلك يأكلون الطعام وتعرض لهم أطوار البشر جميعا من صحة ومرض وسرور وحزن ونوم ويقظة، وما كانوا مخلّدين لا يموتون ولا يفنون، ولكنهم غبروا حينا من الدهر وهم أحياء ثم طواهم الثرى وضمتهم القبور.
وخلاصة ذلك - إنا جعلنا الرسل أجساما تتغذّى حين الحياة، ثم يصير أمرها إلى الفناء بعد استيفاء آجالها، ولم نجعلهم ملائكة لا يتغذون، وما كانوا مخلدين بأجسادهم، بل يموتون كما مات الناس قبلهم وبعدهم، وإنما امتازوا عن غيرهم من سائر الناس بما يأتيهم عن اللّه من الوحى والزلفى عنده.
(ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) أي إنا أرسلنا رسلا من البشر وصدقناهم وعدنا فنصرناهم على المكذبين وأنجيناهم هم ومن آمن معهم وأهلكنا الذين أسرفوا على أنفسهم بتكذيبهم رسل ربهم.