ج ١٨، ص : ٩
(فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) أي فصيرناها كذلك، وميزنا بين أجزائها، فما كان منها من العناصر الداخلة فى تكوين العظام جعلناه عظاما، وما كان من مواد اللحم جعلناه لحما، والمواد الغذائية شاملة لذلك ومنبثة فى الدم، ومن ثم قال :
(فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) أي فجعلنا اللحم كسوة لها، من قبل أنه يستر العظام، فأشبه بالكسوة الساترة للجسم.
(ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) مباينا للخلق الأول، إذ نفخنا فيه الروح وجعلناه حيوانا بعد ما كان أشبه بالجماد، ناطقا سميعا بصيرا، وأودعنا فيه من الغرائب ظاهرها وباطنها ما لا يحصى.
وقد قال العلماء : إن جميع أعضاء الإنسان مقسمة تقسيما دقيقا على نسب معينة مقيسة بشبره، فطوله ثمانية أشبار بشبره، وإذا مدّ يديه إلى أعلى كان عشرة أشبار بقياسه، وإذا مد يديه إلى الجانبين كان طولهما كطوله على السواء، ومن ثمّ جعل المصريون أصل المقاييس الشبر، وجعلوا كل ضلع من أضلاع الهرم الأكبر بالجيزة ألف شبر بشبر الإنسان.
(فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) أي فتنزه ربنا جلت قدرته، وهو أحسن المقدّرين المصورين.
عن أنس قال : قال عمر « وافقت ربى فى أربع، قلت يا رسول اللّه لو صلينا خلف المقام فأنزل اللّه « وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى » وقلت يا رسول اللّه لو اتخذت على نسائك حجابا، فإنه يدخل عليك البرّ والفاجر فأنزل اللّه « إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ » وقلت لأزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لتنتهنّ أو ليبدلنه اللّه أزواجا خيرا منكن فنزلت « عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ » الآية ونزلت « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ - إلى قوله - ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ، فقلت : فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : هكذا أنزلت يا عمر أخرجه الطيالسي.


الصفحة التالية
Icon