ج ١٩، ص : ١٣٨
وبعد أن أبانت ما فى الحرب والمجالدة من الخطر أتبعته بما عزمت عليه من المسالمة بقولها :
(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ؟ ) أي وإنى سأرسل إليه هدية من نفائس الأموال لأتعرف حاله وأختبر أمره، أنبى هو أم ملك ؟ فإن كان نبيا لم يقبلها ولم يرض منا إلا أن نتبعه على دينه، وإن كان ملكا قبل الهدية وانصرف إلى حين، فإن الهدايا مما تورث المودة، وتذهب العداوة،
وفى الحديث :« تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء »
ولقد أحسن من قال :
هدايا الناس بعضهم لبعض تولّد فى قلوبهم الوصالا
وتزرع فى الضمير هوى وودّا وتكسبهم إذا حضروا جمالا
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧)
تفسير المفردات
لا قبل لهم بها : أي لا طاقة لهم بمقاومتها، صاغرون : أي مهانون محتقرون.
الإيضاح
لما وصلت الهدية مع الرسول إلى سليمان وكانت من ذهب وجواهر ولآلى وغيرها مما تقدمه الملوك العظام، قال سليمان للرسول : أ تصانعونني بالمال لأترككم على شرككم وكفركم ؟ لن يكون ذلك أبدا، إن الذي أعطانيه اللّه من النبوة والملك الواسع الأرجاء والمال الوفير - خير مما أنتم فيه، فلا حاجة لى بهديتكم، وليس رأيى فى المال كما ترون، فأنتم تفرحون به دونى، فارجع بما جئت به إلى من أرسلك،


الصفحة التالية
Icon