ج ١٩، ص : ١٤١
على بعض ما أنعم اللّه به علينا من العجائب النبوية، والآيات الإلهية، لتعرف صدق نبوتنا، ولتعلم أن ملكها فى جانب عجائب اللّه وبدائع قدرته يسير، وحينئذ تقدّم إليه بعض جنده بمقترحات.
(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) أي قال شيطان قوى أنا أحضره إليك قبل أن تقوم من مجلس قضائك وكان إلى منتصف النهار، ثم زاد الأمر توكيدا فقال : وإنى على الإتيان به لقادر لا أعجز عنه، وإنى لأمين لا أمسه بسوء، ولا أقتطع منه شيئا لنفسى - حينئذ.
(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) أي قال سليمان للعفريت متحدثا بنعمة اللّه وعظيم فضله عليه : أنا أفعل ما لا تستطيع أنت، أنا أحضره فى أقصر ما يكون مدة، أنا أحضره قبل ارتداد طرفك إليك، وقد كان كما قال :
(فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ؟ ) أي فلما رآه سليمان ساكنا ثابتا على حاله لم يتبدل منه شىء ولم يتغير وضعه الذي كان عليه قال هذا تفضل من اللّه ومنّة ليختبرنى : أ أشكر بأن أراه فضلا منه بلا قوة منى أم أجحد فلا أشكر بل أنسب العمل إلى نفسى ؟
وإن النعم الجسمية والروحية والعقلية كلها مواهب يمتحن اللّه بها عباده، فمن ضل بها هوى، ومن شكرها ارتقى، وهذا ما عناه سبحانه بقوله :
(وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) أي ومن شكر ففائدة الشكر إليه، لأنه يجلب دوام النعمة، ومن جحد ولم يشكر فإن اللّه غنى عن العباد وعبادتهم، كريم بالإنعام عليهم وإن لم يعبدوه، كما قال :« مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها » وقال :« وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ »
وروى مسلم قوله صلى اللّه عليه وسلم حكاية عن ربه