ج ١٩، ص : ٦٢
وفى هذا إيماء إلى عزل فرعون عن الربوبية، وأن سبب إيمانهم ما أجراه اللّه على يدى موسى وهرون من المعجزات.
وبعد أن حصحص الحق، وو صح الصبح لذى عينين، لجأ فرعون إلى العناد والمكابرة وشرع يهدّد ويتوعد، ولكن ذلك لم يجد فى السحرة شيئا، ولم يزدهم إلا إيمانا وتسليما، إذ كان حجاب الكفر قد انكشف، واستبان لهم نور الحق، وعلمهم ما جهل قومهم، وأن القوة التي تؤيد موسى قوة غيبية قد أيده اللّه بها، وجعلها دليلا على صدق ما يدّعى.
(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ؟ ) أي قال لهم : أ تؤمنون به قبل أن تستأذنو، وقد كان ينبغى أن تفعلوا ذلك، وألا تفتاتوا علىّ، فإنى أنا الحاكم المطاع ؟
ثم التمس لإيمانهم عذرا آخر غير انبلاج الحق، ليعمّى على العامة، ويصرفهم عن وجه الحق فقال :
(إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) فأنتم فعلتم ذلك عن مواطأة بينكم وبينه.
ولا شك أن هذا تضليل لقومه، ومكابرة ظاهرة البطلان، فإنهم لم يجتمعوا بموسى قبل ذلك اليوم، فكيف يكون هو كبيرهم الذي أفادهم صناعة السحر.
ثم توعدهم فقال :
(فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وبال ما فعلتم، وسوء عاقبة ما اجترحتم.
ثم بين ذلك بقوله :
(لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) أي لأقطعنّ اليد اليمنى من كل منكم والرجل اليسرى، ثم لأصلبنكم أجمعين بعد ذلك.
فأجابوه غير مكترثين بقوله، ولا عابثين بتهديده، بأمرين فى كل منهما دليل على اطمئنان النفس وبرد اليقين :