ج ١٩، ص : ٨٢
وقد وصف نوح نفسه بأمرين :
(١) (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) أي إنى رسول من اللّه إليكم، أمين فيما بعثني به، أبلغكم رسالاته، لا أزيد فيها، ولا أنقص منها.
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) أي خافوا عقاب اللّه وأطيعونى فيما آمركم به من التوحيد، وقدّم الأمر بتقوى اللّه على الأمر بطاعته لأن التقوى هى ملاك الأمر كله فى هذه الحياة وكرر الأمر بها لأنها العمدة فى جميع الأعمال، فيجب على العامل ملاحظتها إذا أراد الإحسان وتجويد العمل.
(٢) (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) أي لا أطلب منكم جزاء على نصحى لكم، بل أطلب ثواب ذلك من عند اللّه.
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) فقد وضح الأمر لكم، وبان نصحى وأمانتى فيما بعثني اللّه به وائتمنى عليه، وسبب التكرير ما علمته من قبل، ونظير هذا ما يقول الوالد لولده :
ألا تتقى اللّه فى عقوقى وقدر بيتك صغيرا ؟ ألا تتقى اللّه فى عقوقى وقد علمتك كبيرا ؟.
وبعد أن أقام الدليل على صدق رسالته وعظيم نصحه وأمانته لهم أرادوا أن يتنصلوا من اتباع دعوته بحجة هى أوهى من بيت العنكبوت.
(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ؟ ) أي قالوا كيف نتبعك ونصدّقك ونؤمن بك ونأتسى بهؤلاء الأراذل الذين اتبعوك ؟ ومرادهم أن هذا لن يكون أبدا وهذه شبهة لا ينبغى لعاقل أن يركن إليها، لأن نوحا عليه السلام بعث إلى الخلق كافة، لا بارق بين غنى وفقير، وصعلوك وأمير، ولا بين ذوى البيوتات والحسب، وذوى الوضاعة والخسة فى النسب، فليس له إلا اعتبار الظواهر، دون التفتيش والبحث عن البواطن، ومن ثم أجابهم :
(قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ؟ ) أي وأىّ شىء يعلمنى ما كان يعمل أتباعى ؟
إنما لى منهم ظاهر أمرهم دون باطنه، فمن أظهر الحسن ظننت به حسنا، ومن أظهر


الصفحة التالية
Icon