ج ٢٠، ص : ١١٢
وقد حصل التنبيه فى القرآن بغير الحروف التي لا يفهم معناها كقوله :« يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ »، وقوله :« يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ؟ »، من قبل أن تقوى اللّه أمر عظيم، ومثلها تحريم ما أحل اللّه.
وقد بدئت هذه السورة بالحروف وليس فيها البدء بالقرآن أو الكتاب من قبل أن فيها ذكر جميع التكاليف، وهى شاقة على النفس، فحسن البدء بحروف التنبيه للإيقاظ إلى ما يلقى بعدها :
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) أي أظن الذين نجوا من أصحابك من أذى المشركين أن نتركهم بغير اختبار ولا امتحان بمجرد قولهم : آمنا بك وصدقناك فيما جئنا به من عند اللّه، كلا لنمتحننّهم بشاقّ التكاليف كالهجرة، والجهاد فى سبيل اللّه، ورفض الشهوات، ووظائف الطاعات، وأفانين المصايب فى الأنفس والأموال والثمرات، ليمتاز المخلص من المنافق، والراسخ فى الدين من المتزلزل فيه، ونجازى كلا بحسب مراتب عمله.
ونحو الآية قوله :« أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ».
والخلاصة : أ يظن الناس أنهم يتركون بمجرد قولهم آمنا دون أن يبتلوا بالفرائض البدنية والمالية كالهجرة من الأوطان والجهاد فى سبيل اللّه ودفع الزكاة للفقراء والمحتاجين وإغاثة البائسين والملهوفين.
ثم ذكر ما هو كالتسلية لهم بما نال من قبلهم بالمشاقّ فقال :
(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي ولقد اختبرنا أتباع الأنبياء من الأمم السالفة وأصبناهم بضروب من البأساء والضراء فصبروا وعضوا على دينهم بالنواجذ، فابتلينا بنى إسرائيل بفرعون وقومه وأصابهم منه البلاء العظيم والجهد الشديد، وابتلينا من آمن بعيسى بمن كذبه وتولى عنه - لا جرم ليصيبنّ أتباعك أذى شديد وجهد عظيم ممن خالفهم وناصبهم العداء.