ج ٢٠، ص : ١١٩
الإيضاح
(وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ) أي ومن الناس فريق يقول : آمنا باللّه وأقررنا بوحدانيته، فإذا آذاه المشركون لأجل إيمانه، جعل فتنة الناس فى الدنيا كعذاب اللّه فى الآخرة، فارتد عن إيمانه، ورجع إلى كفره، وكان يمكنه أن يصبر على الأذى، ويجعل قلبه مطمئنا بالإيمان، ولكنه جعل فتنة الناس صارفة له عن الإيمان، كما أن عذاب اللّه صارف للمؤمنين عن الكفر، وعذاب الناس له دافع، وعذاب اللّه ليس له دافع، وعذاب الناس يترتب عليه ثواب عظيم، وعذاب اللّه بعده العقاب الأليم، والمشقة إذا كانت مستتبعة للراحة العظيمة تطيب النفس لها ولا تعدّها عذابا.
قال الزجاج : ينبغى للمؤمن أن يصبر على الأذى فى اللّه.
أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وأبو ليلى عن أنس قال : قال صلى اللّه عليه وسلم :« لقد أوذيت فى اللّه وما يؤذى أحد، ولقد أخفت فى اللّه، وما يخاف أحد، ولقد أتت علىّ ثالثة، ومالى ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ماوارى إبط بلال ».
وخلاصة ذلك : إن من الناس من يدّعون الإيمان بألسنتهم، فإذا جاءتهم محنة وفتنة فى الدنيا اعتقدوا أن هذا من نقمة اللّه تعالى منهم، فارتدّوا عن الإسلام، ورجعوا إلى الكفر الذي كان متغلغلا فى حنايا ضلوعهم وشغاف قلوبهم.
ونحو الآية قوله :« وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ».
(وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) أي ولئن جاء نصر قريب من لدى ربك بالفتح والمغانم ليقولنّ هؤلاء المنافقون : إنا كنا معكم إخوانا فى الدين ننصركم على أعدائكم، وهم كاذبون فيما يدّعون.
ونحو الآية قوله :« الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ، فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا