ج ٢٠، ص : ١٢٣
الإيضاح
بعد أن ذكر افتتان المؤمنين بأذى الكفار، وأرشد إلى أن من قبلهم من الأمم قد فتنوا، أعقبه بتفصيل من فتنوا من الأنبياء : كنوح وإبراهيم وهود ولوط وشعيب تسلية له صلى اللّه عليه وسلم، فقد ابتلوا بما أصابهم من المكاره، وصبروا عليها، فليكن ذلك قدوة للمؤمنين.
وقد بدأ بذكر أبى الأنبياء نوح عليه السلام فذكر أنه مكث فى قومه ألف سنة يدعوهم إلى اللّه ليلا ونهارا سرا وجهرا، وما زادهم ذلك إلا فرارا من الحق، وإعراضا عنه، وتكذيبا له، وما آمن معه إلا قليل منهم، فأنزل اللّه عليهم الطوفان فأهلكهم وهم مستمرون فى الظلم، لم يتأثروا بما سمعوا من نوح من الآيات، ولم يرعووا عما هم عليه من الكفر والمعاصي هذه المدة، فأنجى اللّه نوحا ومن معه ممن ركب السفينة من أتباعه، وكانت تلك السفينة عبرة وموعظة أمدا طويلا مدة بقائها على جبل الجودي، ينظر إليها الناس، وترشدهم إلى نعمته على خلقه بالنجاة من الطوفان، كما قال :« إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ. لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ » وقد تقدم تفصيل هذا فى سورة هود.
وجاء النظم هكذا : إلا خمسين عاما، ولم يقل : تسعمائة سنة وخمسين سنة، لأن فى الاستثناء تحقيق العدد بخلاف الثاني فقد يطلق على ما يقرب منه، إلى أن ذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض، وجىء بالمميّز أولا بالسنة، ثم بالعام دفعا للتكرار، ولأن العرب تعبر عن الخصب بالعام، وعن الجدب بالسنة، ونوح لما استراح بقي فى زمن حسن.
العبرة من هذا القصص
لا يحزننك أيها الرسول ما تلقى من هؤلاء المشركين أنت وأصحابك من الأذى، فإنى وإن أمليت لهم وأطلت إملاءهم، فإن مصيرهم إلى البوار، ومصيرك ومصير