ج ٢٠، ص : ٧٩
(أَفَلا تَعْقِلُونَ ؟ ) أي أفلا عقول لكم أيها القوم تتدبرون بها، فتعرفون الخير من الشر، وتختارون لأنفسكم خير المنزلتين على شرهما، وتؤثرون الدائم الذي لا نفاد له على الفاني الذي ينقطع، ومن أجل هذا أثر عن الشافعي رحمه اللّه أنه قال : من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صرف ذلك الثلث للمشتغلين بطاعة اللّه تعالى - وكأنه رحمه اللّه أخذه من هذه الآية.
ثم أكد ترجيح ما عند اللّه على ما فى الدنيا من زينة بقوله :
(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ؟ ) أي أ فمن وعدناه من خلقنا على طاعته إيانا بالجنة وجزيل نعيمها، مما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر، فآمن بما وعدناه وأطاعنا فاستحق أن ننجز له وعدنا فهو لاقيه حتما وصائر إليه، كمن متعناه الحياة الدنيا ونسى العمل بما وعدنا به أهل الطاعة، وآثر لذة عاجلة على لذة آجلة لا تنفد، ثم هو يوم القيامة إذا ورد على اللّه كان من المحضرين لعذابه وأليم عقابه ؟.
وهذه الآية تبين حال كل كافر متّع فى الدنيا بالعافية والغنى وله فى الآخرة النار، وحال كل مؤمن صبر على بلاء الدنيا ثقة بوعد اللّه وله فى الآخرة الجنة.
وخلاصة ذلك - أ فمن سمع كتاب اللّه فصدّق به، وآمن بما وعده اللّه فيه، كمن متعناه متاع الحياة الدنيا وقد كفر باللّه وآياته ثم هو يوم القيامة من المحضرين لعذابه - الجواب الذي لا ثانى له - إنهما لا يستويان فى نظر العقل الرجيح ؟ !.
وتلخيص المعنى : إنهم لما قالوا تركنا الدين للدنيا قيل لهم : لو لم يحصل عقب دنياكم مضرة العقاب لكان العقل يقضى بترجيح منافع الآخرة على منافع الدنيا، فكيف وبعد هذه اللذة فيها يحصل العقاب الدائم ؟.
وجاء الكلام بأسلوب الاستفهام ليكون أبلغ فى الاعتراف بالترجيح.


الصفحة التالية
Icon