ج ٢١، ص : ١٠٩
(إِنَّا مُوقِنُونَ) أي إنا قد أيقنا الآن ما كنا به فى الدنيا جهالا من وحدانيتك، وأنه لا يصلح للعبادة سواك، وأنك تحيى وتميت، وتبعث من فى القبور بعد الممات والفناء، وتفعل ما تشاء.
ونحو الآية قوله :« وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ، فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا » الآية.
(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) أي ولو أردنا أن نلهم كل نفس ما تهتدى به إلى الإيمان والعمل الصالح لفعلنا، ولكن تدبيرنا للخلق على نظم كاملة، كفيلة بمصالحه، قضى أن نضع كل نفس فى المرتبة التي هى أهل لها بحسب استعدادها، كما توضع فى الإنسان العين فى موضع لا يصلح له الظفر والإصبع، والمعدة فى موضع لا يصلح له القلب، وهذا هو المراد من قوله :
(وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي ولكن سبق وعيدي بملء جهنم من الجنة والناس الذين هم أهل لها، بحسب استعدادهم، ولا يصلحون لدخول الجنة كما لا يعيش البعوض والذباب، إلا فى الأماكن القذرة، ليخلّص الجو من العفونات، ولو جعلا فى القصور النظيفة النقية ما عاشا فيها، إذ لا يجدن فيها غذاء ولا منفعة لهما :
وهكذا هؤلاء إذا رأوا العالم المضيء المشرق، والأنوار المتلألئة، والحياة الطيبة فى الجنة لم يستطيعوا دخولها، وعجزوا عن ذلك، فما مثلهم إلا مثل السمك الذي لا يعيش فى البر، ومثل ذوات الأربع التي لا تعيش فى البحر.
ولما بين لهم أنه لا رجوع إلى الدنيا أنّبهم على ما عملوا من تدسية نفوسهم بفعل المعاصي، وترك الطاعة له، فقال :
(فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي فذوقوا العذاب بسبب تكذيبكم بهذا اليوم، واستبعادكم وقوعه، وعملكم عمل من لا يظن أنه راجع إلى ربه فملاقيه.