ج ٢١، ص : ١٤١
(وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) أي وحين قال المنافقون كمعتّب بن قشير، والذين فى قلوبهم ضعف فى الإيمان لقرب عهدهم بالإسلام : ما وعدنا اللّه ورسوله من الظفر والنصر على العدو إلا وعدا باطلا بغرّنا به ويوقعنا فيما لا طاقة لنا به، ويسلخنا عن دين آبائنا، ويقول : إن هذا الدين سيظهر على الدين كله، وإنه سيفتح لنا فارس والروم، وها نحن أولاء قد حصرنا هاهنا حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته.
(وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) أي وحين قالت جماعة من المنافقين كعبد اللّه بن أبىّ وأصحابه : يا أهل المدينة ليس هذا المقام بمقام لكم فارجعوا إلى منازلكم ليكون ذلك أسلم لكم من القتل.
وقد يكون المعنى : لا مقام لكم فى دين محمد فارجعوا إلى ما كنتم عليه من الشرك وأسلموا محمدا إلى أعدائه.
(وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) أي ويطلب جماعة منهم من النبي صلى اللّه عليه وسلم الرجوع إلى بيوتهم وتركهم للقتال، وهم بنو حارثة، معتذرين بمختلف المعاذير كقولهم : إن بيوتنا مما يلى العدو ذليلة الحيطان يخاف عليها من السرّاق، والحقيقة أنهم كاذبون فيما يقولون، وهم مضمرون غير ذلك.
ثمّ بين السبب الحقيقي لهذه المقالة، فقال :
(إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) أي وما يريدون بالاستئذان إلا الفرار من القتال والهرب من عسكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعدم مساعدة المؤمنين.
ثم بين وهن الدين وضعفه فى قلوبهم إذا ذاك، وأنه معلق بخيط دقيق ينقطع بأدنى هزة، فقال :
(وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) أي ولو دخل عليهم الأحزاب من جوانب بيوتهم، ثم طلبوا إليهم أن يرتدوا عن دينهم ويرجعوا إلى شركهم بربهم - لفعلوا ذلك مسرعين من شدة الهلع والجزع.