ج ٢١، ص : ١٤٧
وصدق اللّه ورسوله فى النصرة والثواب، كما صدق اللّه ورسوله فى البلاء والاختبار، ومازادهم ذلك إلا صبرا على البلاء، وتسليما للقضاء، وتصديقا بتحقيق ما كان اللّه ورسوله قد وعدهم.
ثم وصف سبحانه بعض الكملة من المؤمنين الذين صدقوا عند اللقاء، واحتملوا البأساء والضراء، فقال :
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) أي ومن المؤمنين باللّه، المصدقين برسوله، رجال أوفوا بما عاهدوا اللّه عليه من الصبر فى اللأواء وحين البأساء، فاستشهد بعض يوم بدر، وبعض يوم أحد، وبعض فى غير هذه المواطن، ومنهم من ينتظر قضاءه والفراغ منه كما قضى من مضى منهم على الوفاء للّه بعهده، وما غيّروه وما بدلوه.
أخرج الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي فى جماعة آخرين عن أنس قال :« غاب عمى أنس بن النضر عن بدر، فشق عليه، وقال : أول مشهد شهده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غبت عنه، لئن أرانى اللّه تعالى مشهدا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما بعد ليرينّ اللّه تعالى ما أصنع، فشهد يوم أحد، فاستقبله سعد بن معاذ رضى اللّه عنه، فقال : يا أبا عمرو إلى أين ؟ قال : واها لريح الجنة أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل، فوجد فى جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية، ونزلت هذه الآية :
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) إلخ.
وروى صاحب الكشاف أن رجالا من الصحابة نذروا أنهم إذا لقوا حربا مع رسول اللّه ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا، وهم عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللّه، وسعيد بن زيد، وحمزة ومصعب بن عمير، وجمع غيرهم.
ثم بيّن العلة فى هذا الابتلاء والتمحيص، فقال :
(لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)


الصفحة التالية
Icon