ج ٢١، ص : ٥٥
الآن إلا مثال الوحشية الإنسانية، والمجازر البشرية التي سلط اللّه فيها العالم بعضه على بعض، فارتكب المظالم، واجترح المآثم، والإنسان فى كل عصر هو الإنسان.
وكما أهلك اللّه الكافرين قبلهم بكفرهم وظلمهم، يهلك الناس بشؤم معاصيهم وفسادهم، فليجعلوا من سبقهم مثلا لهم، ليتذكروا عقاب اللّه وشديد عذابه للمكذبين.
الإيضاح
(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي ظهر الفساد فى العالم بالحروب والغارات، والجيوش والطائرات، والسفن الحربية والغواصات، بما كسبت أيدى الناس من الظلم وكثره المطامع، وانتهاك الحرمات، وعدم مراقبة الخلاق، وطرح الأديان وراء ظهورهم، ونسيان يوم الحساب، وأطلقت النفوس من عقالها، وعاثت فى الأرض فسادا، إذ لا رقيب من وازع نفسى، ولا حسيب من دين يدفع عاديتها، ويمنع أذاها، فأذاقهم اللّه جزاء بعض ما عملوا من المعاصي والآثام، لعلهم يرجعون عن غيهم، ويثوبون إلى رشدهم، ويتذكرون أن هناك يوما يحاسب الناس فيه على أعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فيخيّم العدل على المجتمع البشرى، ويشفق القوىّ على الضعيف، ويكون الناس سواسية فى المرافق العامة، وحاج المجتمع بقدر الطاقة البشرية.
وبعد أن بين أن ظهور الفساد كان نتيجة أفعالهم أرشدهم إلى أن من كان قبلهم وكانت أفعالهم كأفعالهم، أصابهم بعذاب من عنده، وصاروا مثلا لمن بعدهم وعبرة لمن خلفهم، قال :
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ ؟ ) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين من قومك : سيروا فى البلاد فانظروا إلى مساكن الذين كفروا باللّه من قبلكم وكذبوا رسله، كيف أهلكناهم بعذاب منا، وجعلناهم عبرة لمن بعدهم ؟.