ج ٢١، ص : ٨٤
وقوله :(فِي الدُّنْيا) إشارة إلى تهوين أمر الصحبة، لأنها فى أيام قلائل وشيكة الانقضاء، فلا يصعب تحمل مشقتها.
ولما كان ذلك قد يجر إلى نوع وهن فى الدين ببعض محاباة فيه نفى ذلك بقوله :
(وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ) أي واسلك سبيل من تاب من شركه ورجع إلى الإسلام، واتبع محمدا صلى اللّه عليه وسلم.
والخلاصة : واتبع سبيلى بالتوحيد، والإخلاص والطاعة، لا سبيلهما.
(ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي ثم مصيركم إلىّ بعد مماتكم، فأخبركم بما كنتم تعملون فى الدنيا من خير وشر، ثم أجازيكم عليه، المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته.
ثم عاد إلى ذكر بقية وصايا لقمان لابنه بعد أن نهى فى مطلعها عن الشرك وأكده بالاعتراض الذي ذكره بقوله :
(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) أي يا بنى إن الفعلة من الإساءة والإحسان إن تك وزن حبة من خردل فتكن فى أخفى مكان وأحرزه كجوف الصخرة أو فى أعلى مكان كالسموات أو فى أسفله كباطن الأرض - يحضرها اللّه يوم القيامة، حين يضع الموازين القسط، ويجازى عليها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، كما قال تعالى :« وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ».
(إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) أي إن اللّه لطيف يصل علمه إلى كل خفى، خبير : يعلم ظواهر الأمور وخوافيها.
(يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) أي أدها كاملة على النحو المرضى، لما فيها من رضا الرب بالإقبال عليه والإخبات له، ولما فيها من النهى عن الفحشاء والمنكر، وإذا تم ذلك صفت النفس وأنابت إلى بارئها فى السراء والضراء كما
جاء فى الحديث :« اعبد اللّه كأنك كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك ».